" صدقوني إن كل اعتداءات جماعة حماس علي وتهديداتهم لي بالقتل قبل وبعد انقلابهم الدموي في قطاع غزة لم يكن لها التأثير على نفسي، بمقدار تأثير تولي طالب جامعي (رئيس الكتلة الإسلامية) مهمة تنظيم حملة تشهير وقذف وشتم وقدح ضدي، فهذا كان واحدا من مئات الطلبة الذين كنت أدرسهم مساق (التصوير الصحفي ) في كلية الآداب، قسم الصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية في غزة، وقيام طالب جامعي آخر ممن منحتهم خبرتي ومعرفتي وعلومي كأستاذ بتطويق عنقي وتهديدي في ساحة الجندي المجهول أيضا في غزة، خلال مسيرة للصحفيين الفلسطينيين وساعة قال لي : ماذا تفعل هنا في بلادنا اذهب إلى بلدك يا خاين".
ما كتبناه في الفقرة الأولى كان نص حديثي لإخوة مناضلين ومحررين وجرحى الانقلاب في خيمة اعتصامهم في ميدان الشهيد ياسر عرفات قبل بضعة أيام، ولم أتحدث عن جرائم أخرى ارتكبها الانقلابيون فهاتان الحادثتان كانتا أشد إيلاما على نفسي لأنهما كانتا جريمة بحق معلم ( أنا ) ارتكبها طلاب يعرفون أن كل حرف وكل كلمة كتبوها أو نطقوها عني كذب، وباطل منسوخ من كتاب شيطانهم، ونصوص الكراهية والعداء للوطنية التي يعبئهم بها مشايخ جماعة الإخوان المسلمين فرع فلسطين المسمى حماس .
اكتب هذا فيما طلبة الجامعات الثلاث في غزة حتى العام 2008 يشهدون على مواقفي بخصوص قداسة دور العلم، ورفضي لمظاهرات السلاح والعنف فيها، أو إطلاق الرصاص في الهواء أيا كانت المناسبات، ليس هذا وحسب، بل كتبت على صفحات جريدتنا الحياة الجديدة ضد نعوت يطلقها طلبة على حرم جامعتهم في خطابات سياسية كأن يقولوا (العرين) وهي صفة لمأوى وحش لا تليق ببيت علم أبداً .
اكتب هذا ونحن نسمع بين الحين والآخر أخبار اعتداءات لفظية وبدنية وعنفية على معلمين ومدارس في أنحاء الوطن، وصل بعضها إلى حدود اطلاق الرصاص في فضاء حرم مدرسة لإرعاب الهيئة التدريسية والتلاميذ. كما حدث في حرم مدرسة مركة الثانوية في مديرية قباطية ليصل عدد الاعتداءات المسجلة لدى وزارة التربية على المدارس والمعلمين إلى 40 حادثة لا يمكننا تصنيفها إلا تحت بند الجريمة رغم التفاوت في درجاتها وحيثياتها وأهدافها، فنحن نتحدث عن بيوت علم يتساوى السلام والأمان فيها مع السلام والأمان الذي ينشده ويلمسه الإنسان في دور العبادة .
لسنا بصدد بحث أسباب كل مشكلة أدت بالفعل لارتكاب جريمة لا مبررات لها في قاموس مبادئ وقيم الأخلاق الإنسانية، فكل مدرسة في الوطن مكون من مكونات الحياة المدنية الحضارية، فبدون التربية والتعليم في الحياة تبقى السلوكيات البشرية الهمجية المستوحشة في الجبهة المضادة للسلوكيات الإنسانية، وتبقى قدرات ابن آدم اقل من قدرات أي مخلوق طبيعي في الدنيا .
الاعتداءات على أي فرد في الأسرة التعليمية في أي مدرسة أو إثارة الرعب في المدارس، وتحويل المدرسة إلى ساحات تصفية حسابات شخصية أو للانتقام جرائم جنائية يحاسب عليها القانون، لكن نظرا لخصوصية المدرسة كمكان لا يقل في مكانته السيادية عن أي موقع أو مكان سيادي في الدولة، وحيث إن وظيفة المعلم باعتباره صاحب رسالة مميزة رغم كونه موظفا حكوميا او حتى خاصا يقوم بمهمة غير اعتيادية، فإن الأمر حسب اعتقادنا يقتضي إصدار قانون خاص رادع بما يكفل قطع دابر هذه الجريمة، بالتوازي مع تعزيز ثقافة التكامل ما بين الأسرة التعليمية وأسرة التلميذ الطبيعية والمجتمع، فعملية بناء الفرد المجتمع تحتاج إلى أعلى درجات الانسجام بين المجتمع ومؤسسات الدولة بتاجها وزارة التربية والتعليم.
نتحدث بفخر عن قدرتنا وإصرارنا على تبديد آخر ملامح صور الأمية في مجتمعنا، والاعتزاز بالعلم كسلاح منذ النكبة وحتى اليوم وفي المستقبل، لكن هل سيكون بمقدورنا المضي قدماً فيما الشخصية العبثية والعنترية والبلطجية، الانفعالية تستأسد في بيوت العلم التي ليس فيها إلا حروف وكلمات الحياة، وفيها يحرق المعلم عمره ليضيء كالنبراس درب المعرفة للأجيال.