صفقة القرن الأميركية التي اشتهرت عندنا فلسطينيا باسم صفقة العار، التي كانت الاختراع الجديد من دونالد ترامب لإنقاذه، من الانكشافات القاسية والفاضحة التي لا تزال تهدده بالعزل وما بعد العزل من سقوط مدوٍّ، والتي كانت أيضا اعظم هدية سوداء تلقاها نتنياهو لانقاذه من افتضاحاته والسجون التي تنتظره هو وعائلته واقرباءه والمقربين منه، كان اعظم ما واجهته هو الرفض الفلسطيني القاطع، وكان بعض من وقعوا في حبالها غير فلسطينيين مثل الذين حضروا ورشة المنامة في البحرين، او لقاء وارسو في بولندا، لكن التراجع الأميركي الظاهري، ومأزق نتنياهو الذي اصبح حديث الجميع، اندفع مرة أخرى بشكل جديد، عبر عنه نتنياهو بموجة العنف الأخيرة ضد قطاع غزة التي كان ابرز ما فيها غياب حماس بعيدا عنها، حيث لاذت بهدوء غريب، ولاذت بصمت مطبق، وتركت حركة الجهاد الإسلامي وحدها تتحمل المسؤولية، وهو امر غريب فعلا، فأهازيج المقاومة الكاذبة ظلت من اختصاص حماس، فلماذا سكتت وقد جاءنا الجواب سريعا، عبر عناوين مخادعة أولها المستشفى الأميركي، الذي اعلن انه سيقام على الحدود الشمالية للقطاع، واثارة عاصفة كلامية، عن الوضع الصحي الخطير في قطاع غزة، والحل الذي طرحته حماس الدعاية المفرطة عن المستشفى الأميركي وهي نفس اميركا التي أعلنت الحرب على مستشفيات القدس وقطعت عنها المساعدات، مع بقية خطواتها العدوانية الأخرى، ثم جاء العنوان الثاني الذي طرح منذ الانقسام الذي نفذته حماس منذ عام 2007 قبل قرابة ثلاثة عشر عاما، وهو الميناء العائم في بحر غزة الذي تشرف عليه إسرائيل من الالف الى الياء، التي رفضت إسرائيل كل هذه السنوات ان يقام ميناء غزة الدولي، كما حطمت مطار غزة الدولي.
لماذا هذا السقوط المروع يا حماس؟
ويأتينا الجواب، ان حماس "الجناح الفلسطيني في التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، خلقت أصلا لهذا الدور، وعندما تكون فلسطين هي العقبة الرئيسية الشرعية المتوافقة مع القانون الدولي في وجه صفقة القرن الأميركية، وفي وجه الجنون الاسرائيلي لالغاء القضية الفلسطينية تتقدم حماس لتحدث الخرق الأخطر في الصمود الفلسطيني، وفي أجواء المعركة الكبرى التي يخوضها الشعب الفلسطيني، الخرق يأتي من حماس، مع سبق إصرار وترصد، لان الخرق حينئذ يكون مؤثرا ويكون مؤلما.
حماس تريد ان تقبض الثمن، ودائما وابدا فان ثمن الخيانة بخس، فما ابخس اثمان الخائنين، هذا الثمن ليس من المطبعين، ليس من الهاربين من قضايا امتهم من اخوتنا العرب، بل من حماس التي تقول عن نفسها انها فلسطينية بعنوان إسلامي او بعنوان اخواني، ويا لهذا العنوان كم يحمل من المآسي والمخازي في آن.
حماس تندفع الى الحفرة بشراهة بعد ان تعمق الوعي بان الانتخابات هي البلسم لكل مشاكلنا الداخلية، فتستبق حماس الأمور وتقول، لا والف لا للانتخابات،لا لانهاء الانقسام، بل انها تقول بصراحة، وعلى المكشوف ان ترامب يحتاجها ان تقدم له خدمة ضد شعبها، وهي تقدم هذه الخدمة بشغف، عبر العنوان الأول، هو المستشفى الأميركي في حدود قطاع غزة الشمالية، ونتنياهو الذي أشاد بانقلابها في السنوات الأخيرة الف مرة، يحتاجها الان في مأزقه الوجودي، وهي جاهزة بتداولها المكرر عن الميناء العائم.
اني لأعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون، ولكن الأفق مليء بالمفاجآت، ويا حماس ألا تراجعين نفسك وانت ذاهبة الى المذبح بعينين مبحلقتين وبصيرة مطفأة؟