تقرير: يامن نوباني

فقد العالم ومحبو الأدب والترجمة، والوسط الثقافي، المترجم الفلسطيني العبقري صالح العلماني (1949-2019)، الذي وافته المنية في اسبانيا عن عمر ناهز 70 عاما.

علماني، رحل وهو يحلم بالعودة إلى بلدته "ترشيحا" الواقعة على بعد 27 كم شمال شرق عكا، التي وصلتها عائلته من قريتها الأصلية "علما" 15كم شمال شرق صفد، قبل نكبة فلسطين عام 1948 بعدة سنوات.

هجرت عائلة علماني إلى سوريا، واستقرت في مخيم للاجئين قرب مدينة حمص، ثم غادرها عام 1970، درس الطب لمدة عام، ثم هجره لينتقل إلى الصحافة، التي هجرها أيضاً بسبب ظروفه المعيشية الصعبة.

بدأ علماني ترجمة أدب أمريكا اللاتينية في أواخر السبعينات، خاصة الأدب الاسباني الذي ترجم عنه إلى العربية أكثر من 100 كتاب، منذ 1979 وحتى رحيله.

عندما رحل علماني، اكتشفنا أنه لم يكن فقط  فلسطيني الأصل وسوري المولد واسباني الأدب والترجمة، فآلاف التغريدات والمنشورات والصور من كافة أصقاع الأرض، انتشرت على كافة وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحف والمواقع الاخبارية والمنابر الثقافية لحظة إعلان وفاته.

أربعون عاما في الترجمة:

كيف بدأت علاقة المترجم بلغة سرفانتس؟ يقول علماني: "في عام 1970، غادرت إلى برشلونة لدراسة الطب ثم تركته لدراسة الصحافة. لكنني صمدت سنة واحدة فقط، عملت بعدئذ في الميناء واختلطت بعالم القاع كأي متشرد. وبينما كنت أتسكع في أحد مقاهي برشلونة ذات مساء، قابلت صديقاً كان يحمل كتاباً. نصحني بقراءته. كانت الطبعة الأولى من "مئة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز. عندما بدأت قراءتها، أصبت بصدمة. لغة عجائبية شدتني بعنف إلى صفحاتها. قررت أن أترجمها إلى العربية. وبالفعل ترجمت فصلين ثم أهملتها".

ويضيف: "عندما عدت إلى دمشق نسيت الرواية في غمرة انشغالاتي. لكن ماركيز ظل يشدني، فترجمت قصصاً قصيرة له، ونشرتها في الصحف المحلية. ثم ترجمت “ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" (1979). لفت الكتاب انتباه الناقد حسام الخطيب، فكتب أن شاباً فلسطينياً يترجم أدباً مجهولاً لقراء العربية". هذه الملاحظة قادت علماني إلى امتهان "حرفة" الترجمة: "قلت لنفسي: أن تكون مترجماً مهماً أفضل من أن تكون روائياً سيئاً. هكذا مزقت مخطوط روايتي الأولى من دون ندم وانخرطت في ترجمة روايات الآخرين".

الكاتبة الجزائرية سارة النمس:

أنا من عشّاق أدب أمريكا اللاتينية وأفضل الروايات التي قرأتها كتبها روائيون وروائيات من هناك، أكثر الأماكن التي أحلم بزيارتها هي مدنٌ في أمريكا الجنوبية أيضًا، كيف تعرفتُ على كل هذا السحر؟ بفضل المترجم السوري الرائع صالح علماني، لم أشعر يومًا بأنّني أقرأ أدبًا مترجمًا بل كنت أشعر بأنّ الكاتب يفرغ في قلبي ومخيلتي كلماته مباشرةً! كان حضور المترجم غائبًا وهذا من فرط براعته، كنتُ في كل مرة أكتشف فيها كتابًا ساحرًا أعانق الكتاب ممتنّة لتلك النعمة، وجود إنسان اسمه صالح علماني على وجه الأرض.

 الكاتب والمترجم العراقي: محسن الرملي

مثل كل القراء العرب، عرفتُ اسم صالح علماني من خلال عشرات الكتب التي ترجمها عن الإسبانية، وحين التقيته في دمشق كان محاطاً بالكتب ومنحنياً على كتب أخرى عاملاً بدأب وتواضع.

علماني هو درس حيّ وتاريخي لنا جميعاً نحن المترجمين، حيث تخلى عن كل شيء ليجعل الترجمة طريقاً وهدفاً له، تخلى عن دراسته الأكاديمية وتخلى عن الكاتب فيه لصالح المترجِم فأذاب الروائي في المترجِم كما تُذاب قطعة سُكّر في قدح شاي، لذا نلمس هذه العذوبة في أسلوبه لكل ما ترجمه، راهن علماني على الترجمة ولم يخسر، فحقق شهرة تفوق شهرة الكثير من الكُتاب حيث لا تكاد تخلو أية مكتبة عربية عامة أو خاصة من كتاب يحمل اسمه.

علماني لا يتعامل بحساسية ولا زَعَل مع أي انتقاد يوجَّه إلى ترجماته وإنما يتقبله بروح رحبة ويرد عليه بمزيد من العمل والإتقان، علماني لا ينظر إلى حجم الكتب قبل ترجمتها، كما نفعل نحن المترجمين، على الرغم من أن الترجمة الأدبية التي اتخذها مهنة له، لا تدر إلا القليل من المال، وهذه من سمات المحبين الأوفياء، بصفتي كمترجم أشكره على ما وفره عليّ من جهد ووقت بترجمته لأعمال كنت أتمنى ترجمتها للقارئ العربي. بصفتي كمختص بالآداب المكتوبة بالإسبانية أشكره على ما قدمه منها إلى العربية في وقت قياسي. بصفتي كطالب أشكره على ما وفره لي من مصادر إضافية. بصفتي كأستاذ أشكره على ما وفره لي ولطلابي من مادة للدرس والمقارنة في الترجمة.

الكاتب المصري: ابراهيم المصري

التقيت صالح علماني في المجمع الثقافي في أبوظبي وأجريت معه لقاءً لبرنامج ثقافي تلفزيوني كنت أعده في تسعينيات القرن العشرين الماضي، وسألته كيف تكون علاقة المترجم باللغة التي يُترجم منها؟

قال: إنه كان يدرس في إسبانيا، ولم يكن ما يرسله له والده كافياً لنفقات حياته، فعمل في مهن أتاحت له الاختلاط بالعمال وغيرهم من الذين يعتمدون على عمل يومهم لتحصيل لقمة العيش، فكان عمله هذا فرصة لالتقاط اللغة في حيويتها الإنسانية والشعبية.

الكاتب والناشر العراقي: علي حسين.. رحيل ساعي بريد ماركيز

في مرات كثيرة يحالفني الحظ دون أن يكون منصبا او مالاً، وانما اصدقاء وشخصيات تشع بهجة وفكرا وعلما التقيت بها وحاورتها،  ذات مرة وجدت نفسي وجها لوجه امام المترجم القدير صالح علماني الذي رحل عن عالمنا بعد أن أنجز ترجم ونقل عن الاسبانية مائة كتاب،  كان أولها " ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" لماركيز والتي صدرت نهاية السبعينيات عن دار الفارابي،  كان الرجل الذي يجلس قبالتي يبدو في حالة من النشوة وهو يستمع الى اغنيات ناظم الغزالي ضمن حفل فني اقيم في اسبوع المدى الثقافي عام 2007 الذي اقيم في اربيل، وكنت أنظر إليه وأتذكر المرة الأولى التي قرأت فيها رواية ماركيز "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، وهو العمل الذي كتبه ماركيز عام 1956 ونشر عام 1961.

المترجم السوري معاوية عبد المجيد

علّمنا أنّ الشغف بالترجمة أمرٌ ممكن. علّمنا أنّ احتراف الترجمة ضروريّ رغم كلّ الصعوبات. وأنّ الغزارة والاجتهاد شرطان أساسيّان في هذه المهنة الشاقة. وأنّ اللغة الأدبيّة العربيّة صالحة دومًا للتلقّي والتلاقي. وأنّ سلاسة التركيب ومتانة التعبير هما سرّ النجاح في ترجمة الرواية.

هشام علام: هل قرأت يوما رواية رائعة مترجمة من الأدب اللاتيني؟ من ترجم لك تلك الرواية مات الآن.. صالح علماني.

يمكنك أن تقول مطمئنا: "الترجمة ما قبل صالح علماني وما بعد صالح علماني".

مدمنو القراءة سيعرفون جيدًا معنى أن تبحث عن كتاب شريطة أن تبحث أيضا عن اسم المترجم، الروائي وحده لا يكفي، الجوائز التي حصدتها الرواية لن تنقل لك جمالها طالما لم يدمغها صالح علماني، بصمة المترجم وأمانته وحرفيته تتجلى وتنضج بين أصابع مترجم بدرجة أديب اسمه صالح علماني.

يستحق صالح علماني أن يكون باسمه جائزة للترجمة، ومدرسة بكل بلد عربي، وشارعا بطول مداده.