لا شيءَ يقتلُ روحَ الجماعةِ كالإدمانِ على نَدْبِ الحظِّ والشّكوى والبحثِ عن الأعذارِ لتبريرِ الرّكونِ إلى الكسلِ والإحساسِ بالشّللِ والعجزِ. وفي المقابلِ يُتقنُ البكّاءونَ التهويلَ من أخطاءِ غيرِهم ويحمّلونَهُم المسؤوليةَ عن كلِّ ما هو سَلبيٌّ، فهم متفرّغونَ لمراقبةِ غيرِهِم تحتَ مجهرِ النّقدِ والتدقيقِ، يبدّدونَ في ذلكَ وقتَهم وجهدَهم دونَ أن يُنتجوا شيئًا، وكأنَّ مهمّتهم الأولى هي ملاحقةُ من يقومونَ بواجبِهِم ويثابرون على العملِ وتنفيذِ مهامّهم. فلا شيءَ يُشعِرُ العاجزينَ عن الفعلِ بوطأةِ عجزِهم مثلَ مقارنةِ أنفسهِم بمن اختاروا القيامَ بالواجبِ كنهجٍ يلتزمونَ بهِ دونَ كَيْلِ الشّتائمِ للواقعِ وتعقيداتِهِ. والمصيبةُ تكمنُ في أنَّ هذهِ المقارنةَ لا تشكّلُ حافزًا للعاجزين عن الفعلِ كي ينفُضوا عن أنفسِهم غبارَ الكسَلِ الذي يُثقِلُ خطاهم، وإنما هي مبرّرٌ يستخدمونهُ لوضعِ العراقيلِ أمامَ خطى المثابرينَ على الممارسةِ الإيجابيّةِ المثمِرة.

 

يحتاجُ العملُ الجماعيُّ إلى كلِّ الجهودِ كي تكونَ لهُ القدرةُ على مراكمةِ الفعلِ والاستفادةِ من كلِّ الطّاقاتِ مهما كانَ حجمُها، وليسَ هناكَ حلقةٌ واحدةٌ يمكنُ الاستغناءُ عنها أو التقليلُ من أهميّتِها، فهذا العملُ هو دورةٌ انتاجيّةٌ متكاملةٌ تتأثّرُ بأيِّ خللٍ قد يصيبُ أحدَ مفاصِلها مهما كانَ دورُهُ بسيطًا. من هنا تأتي خطورةُ تقاعسِ الشكّائينَ عن القيامِ بما أوكلَ لهم من مهامَّ محدّدةٍ ضمنَ دائرةِ العملِ الواحدةِ. فهم بركونهِم إلى العجزِ إنّما يقطعونَ حلقةً من حلقاتٍ سلسلةٍ مترابطةٍ من المهامِّ والواجباتِ، وهو ما يشكّلُ خطرًا على الأداءِ العامِّ، بكلِّ ما يجرُّهُ ذلكَ من تشويهٍ لصورةِ القضيّةِ التي يكرَّسُ العملُ الجماعيُّ لخدمتِها، حيثُ تطغى على تلكَ الصورةِ حالاتُ العويلِ وتحقيرِ الذّاتِ وقتلِ الأملِ بالإنجازِ والتّغييرِ. وتتفاقمُ خطورةُ هذهِ الفئةِ العاجزةِ بشكلٍ خاصٍّ في عصرِ منصّاتِ التّواصلِ الاجتماعيِّ التي تمتهِنُ التّركيزَ على الحالاتِ السّلبيّةِ القاتلةِ للتفاؤلِ بكلِّ ما يرافقُ ذلكَ من انفضاضِ الجمهورِ من حولِ القضيّةِ المركزيّةِ والتركيزِ بدلاً من ذلكَ على النّقاطِ السّوداءِ التي تُفقِدُ القضيّةَ نقاءها وتحوّلُها إلى مجرّدِ مسألةٍ نسبيّةٍ يمكنُ الطّعنُ بمسلّماتِها وتجريدُها من كلِّ ما أحاطَ بها حتى الآنَ من قدسيّةٍ تمثّلُ أساسَ ومحورَ الإجماعِ الوطنيِّ. 

 

يتستّرُ البكّاءونَ والعاجِزونَ برداءِ التّشكيكِ بكلِّ شيءٍ واختلاقِ الأعذارِ لإقناعِ أنفسِهم بأنّهم أنقياءُ وأتقياءُ وأصحابُ سيرةٍ ناصعةِ البياضِ، وفي هذا تحايُلٌ على الجمهورِ ومراهنةٌ على إمكانيّةِ تسويقِ أنفسِهم بشكلٍ يحتقرُ ذكاءَ هذا الجمهورِ ويراهنُ على فرضيّةٍ خاطئةٍ تتوهّمُ بأنّ الخللَ قد عطّلَ وعيَ الناسِ البسطاءِ وقدرتَهُم على التمييزِ بين الغثِّ والسّمينِ. هذا ما نشاهدُهُ الآنَ في ظلِّ الحديثِ الجدّيِّ عن إمكانيّةِ إجراءِ الانتخاباتِ في فلسطين، فقد نشطَ الكسالى فجأةً ودبّت الرّوحُ في أوصالِهم المشلولةِ، ولكنْ ليس من خلالِ المبادرةِ إلى الفعلِ المُنتجِ ومشاركةِ الشّعبِ في صمودِهِ واقتسامِ المعاناةِ معهُ، وإنّما من خلاِلِ تمجيدِ الذّاتِ واختلاقِ تاريخٍ حافلٍ بالإنجازاتِ والتّضحياتِ الوهميّةِ، مقابلَ وَصْمِ كلِّ من يقفُ في طريقِ أحلامِهم المريضةِ بالفسادِ والفشلِ وجلْبِ الويلاتِ على شعبِنا. ولا يتقنُ البكّاءونَ المنافقونَ شيئًا كما يتقنونَ مهنةَ الكذبِ، ولو أنّهم سخّروا جزءًا من الوقتِ الذي يبدّدونهُ في اختلاقِ أكاذيبِهم وكرّسوهُ للتفرّغِ للقيامِ بجزءٍ من واجباتِهم، لو فعلوا ذلكَ لأنجزوا شيئًا يخدمُ الوطنَ ويمسحُ بعضًا من آثامهِم، لكنّهم اختاروا الانحيازَ إلى العجزِ والكذبِ، وبئسَ الاختيار!

 

*أيّها العاجزُ البكّاءُ، انهَضْ واعملْ، أو اصمتْ وتنحَّ جانبًا، فَعَجْزُكَ يَسُدُّ الطّريقَ!

 

١٢-١١-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان