احتفلت المانيا والعالم بالذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين، وبالنسبة للشعب الالماني فان سقوط هذا الجدار هو اهم حدث بعد الحرب العالمية الثانية، لأنه أنهى التقسيم القصري لألمانيا واعاد توحيد الشعب الألماني. وبالنسبة لأوروبا فإن سقوط جدار برلين أنهى ايضاً تقسيم هذه القارة وفتح المجال للانفتاح والتعاون واقامة علاقات طبيعية بين شعوبها. اما بالنسبة للعالم فقد أنهى سقوط الجدار عقودا من الحرب الباردة وسباق التسلح النووي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، وأنهى وجود الجدران في الوعي العام للبشرية.
قد تكون نهاية التجربة الاشتراكية، انطلاقا من فكرة دكتاتورية البروليتاريا، امرا محزنا لقطاع واسع من البشرية، وخصوصا لمن كانوا يراهنون على ان تحقق هذه التجربة للإنسانية العدالة الاجتماعية، ومن هذه الزاوية شكل بالنسبة لهم سقوط جدار برلين رمزية غير مريحة لسقوط هذه التجربة، وبعيدا عن تقييم التجربة السوفياتية الاشتراكية لما لها وما عليها، فإن سقوط هذا الجدار كان امرا مريحا لكل انسان يرفض فكرة وضع الحواجز التي تمنع التواصل بين ابناء البشر فما بالك بين ابناء الشعب الواحد.
سقوط جدار برلين عام 1989 مثل في حينه املا لظهور نظام دولي أكثر انفتاحا ويرفض الكراهية والتعصب والعنصرية، واملا لعالم ينظر الى ثقافات وتطلعات الشعوب بمنطق تساوي الفرص والتكافؤ، والدفع نحو المزيد من احترام للقانون الدولي، واحترام مبادئ العدل والحرية والسلام. ولكن وبعد ثلاثين سنة من سقوط هذا الجدار ونحن نلاحظ جنوح العالم نحو مزيد من التطرف والعنصرية وعودة لظهور الحركات الفاشية في اوروبا، فالسؤال اليوم هل استفادت البشرية من سقوط جدار برلين؟
الواقع الدولي لا يشير ان هذه الاستفادة قد تمت، فاليوم تكتسح العالم موجة لبناء الجدران المادية والفكرية، وهناك إحصائية مرعبة تقول ان هناك جدرانا يقدر طولها ب 40 ألف كيلومتر، اي جدران يمكن ان تلف الكرة الارضية. ولعل فشل المجتمع الدولي في اجبار اسرائيل، وبرغم قرار محكمة العدل الدولية الذي اعتبر هذا الجدار غير شرعي، على وقف بناء جدار الفصل العنصري على الارض المحتلة الفلسطينية وهدم ما اقيم منه، وأكثر من ذلك صمت العالم عن هذا الجدار وكما يبدو تبنيه للحجج والادعاءات الإسرائيلية الامنية الزائفة.
ويمكن القول ان منطق بناء الجدران قد بلغ ذروته بتبني رئيس الدولة الاعظم في العالم، الدولة التي تدعي انها بلد الحرية، عندما تبنى الرئيس ترامب لفكرة بناء جدار على طول الحدود بين بلاده والمكسيك، واصراره ودفاعه المستميت عنه رغم معارضة نسبة كبيرة من الشعب الأميركي لهذا الجدار.
ثقافة بناء الجدران هي ثقافة الانغلاق، هي ثقافة عنصرية هدفها اثارة الخوف من الاخر لتحقيق مصالح ضيقة. وهنا في فلسطين لا يمكن تفسير بناء اسرائيل لجدار الفصل والاستيطان سوى انه يعكس فكرا عنصريا توسعيا، فكرا ينشر الكراهية ولا يأتي بالأمن والسلام لأحد. جدار اسرائيل هو جدار احتلال وانتهاك سافر للقانون الدولي، والمشكلة ان هناك من هو يبرر ويتواطأ معه من المجتمع الدولي
وبالمقارنة بين جدار برلين وجدار اسرائيل التوسعي العنصري، فان الاول لا يزيد ارتفاعه عن مترين في حين الثاني يرتفع لثمانية أمتار، كما ان الثاني قد اقيم على ارض فلسطينية محتلة. وبغض النظر عن الفوارق فان بناء الجدران فكرة ضد الحضارة الانسانية، ضد التفاعل والتواصل الإنساني، ومهما كان التبرير فان الفكر الذي يقف وراء ثقافة بناء الجدران هو فكر رجعي عنصري، على البشرية مواجهته بحزم اينما حل وبغض النظر عن الطرف الذي يبادر اليه.