في ختام ملحمة الإلياذة الإغريقية يقول هوميروس مقولته الشهيرة "عشت في زمن أخيل" للإشارة الى عظمة هذا الرجل الأسطوري، وهذا الزمان الملحمي العظيم. ونحن الجيل الفلسطيني الذي عاش زمن الثورة الفلسطينية، هذا الزمن الملحمي العظيم نفاخر بالقول عشنا في زمن عرفات، هذا القائد الذي صنع التاريخ الفلسطيني الحديث، الذي اعاد بعث الشعب الفلسطيني من رماد النكبة، من القدر الذي اعتقدت الصهيونية والاستعمار انهم رسموه للشعب الفلسطيني قدر الشطب والالغاء.

 

في الذكرى الخامسة عشرة لرحيله، وفي ظل المحاولات لإعادة عقارب الزمن الى الوراء، محاولات اعادة الشعب الفلسطيني الى قمقم النسيان والضياع عبر صفقة القرن، تبرز أهمية هذا القائد الاستثنائي، الذي تغلب في لحظة تاريخية استثنائية على القدر الذي رسمه الاستعمار العالمي والصهيونية العالمية وبعض الحكام الذين تواطؤوا معه لشطب فلسطين وشعبها عن خارطة الشرق الأوسط. فالمشروع الصهيوني، الذي لخصه وعد بلفور لا يقبل أي حل وسط مع وجود الفلسطينيين كشعب ولا مع أي جزء من فلسطين يحتفظ باسم فلسطين.

 

أهمية عرفات ومن أسس معه فتح من القادة التاريخيين ومن ثم انطلقوا بالثورة الفلسطينية المسلحة هو انهم عاندوا الواقع وتغلبوا عليه، فأي متتبع موضوعي لهذه التجربة يكتشف ان كل ما جرى بعد ذلك وحتى هذه اللحظة هي محاولات لاحتواء هذه الثورة ومشروعها الوطني، اعادة طمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، والتي هي أساس هذا المشروع، وأساس وجود الشعب والحقوق السياسية لهذا الشعب.

 

عرفات عندما رحل عنا كان قد صنع هذه الهوية وكرس الثوابت الوطنية في وعي الشعب الفلسطيني، وهي ثوابت راسخة لا يمكن لأحد التنازل عنها. وعرفات عندما رحل ترك تراثا سياسيا صلبا يمسك به اليوم الرئيس محمود عباس بإخلاص تام، هو الذي كان الى جانب ياسر عرفات في صناعة هذا التاريخ ويكمل اليوم صناعته بمواقفه الصلبة في رفض صفقة القرن ورفض الجلوس مع ادارة ترامب التي تعمل على تصفية القضية الفلسطينية.

 

ان واجب من عاشوا في زمن عرفات، أو من تبقى منهم، ان ينقلوا للأجيال الفلسطينية هذا التراث العظيم وان يكون جزءا مهما من وعيهم، من ذاكرتهم الجماعية، لأنه يحصن هويتهم الوطنية ويجعل من مهمة مواصلة الكفاح الوطني الفلسطيني أمرا ممكنا حتى يحقق الشعب الفلسطيني أهدافه الوطنية في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، فمن يقول عشت في زمن عرفات فهذا يعني انه عاش الملحمة الوطنية لصناعة التاريخ الفلسطيني.