الذين يريدون حوارًا فصائليًّا قبل صدور المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات التشريعية أولاً، والرئاسية تاليًا، استنادًا إلى القانون الأساسي، إنا يبحثون، و"حماس" على نحو خاص، عن سبل تعطيل هذه الانتخابات، لأنَّ حوارًا قبل صدور المرسوم الرئاسي يعني الدخول مرة اخرى إلى متاهة التنظيرات الحزبية وخطاباتها الشمولية (!!) التي كلّما طال هذا الحوار، وسيطول حتمًا في هذه المتاهة، فإنَّه على الاغلب سيحيل موضوع الانتخابات بحد ذاته، الى موضوع ثانوي، حيث ستكون المصالح الحزبية في حوار التنظيرات، هي الموضوع الاول والأساس!!!

لماذا المرسوم الرئاسي أولاً؟ وهذا حق دستوري لا جدال فيه، لأنه المدخل الموضوعي والطبيعي والتقني والسياسي في المحصلة، كي تبدأ عجلة العملية الانتخابية بالدوران في دروبها الصحيحة، واستنادا الى هذا المرسوم يمكن لحوارات الفصائل ان تكون، ونحو تكريس سبل انجاح الانتخابات بجعلها نزيهة وشفافة، وملزمة النتائج التي من شأنها رسم ملامح الشراكة الوطنية، وتعزيز الحياة الديمقراطية، ودائما بما يخدم مسيرة الحرية الفلسطينية، على مختلف مستوياتها في البناء والمقاومة.

 

سنوات طويلة مرهقة ومكلفة من حوارات المصالحة الوطنية لم تجد نفعا، وشكلنا حكومة وفاق وطني، ابقتها حماس بلا اية مسؤوليات في قطاع غزة المكلوم، لأن اسماعيل هنية اعلن وقتها "نغادر الحكومة، ولكنا لن نغادر الحكم" وما غادر شيئا بعد ذلك، ومع اتفاق 2017 أعلن السنوار ان حركته لن تسلم القطاع من الباب للمحراب لاحد..!! وهاهو قبل ايام قليلة استعرض ترسانته الحربية، وكأنها ترسانة قوى عظمى (..!!) لا لكي يهدد الاحتلال الاسرائيلي بها، وإنما ليهدد في الواقع وبصورة غير مباشرة الانتخابات بانه لن يسمح لها ان تكون إلا وفق متطلبات هذه الترسانة، التي لا أحد يعرف لماذا اذن "المقاومة" لا تُفعّل هذه الترسانة، في مواجهة الاحتلال، اذا ما كان مشروعها، مشروع تحرير، او على الاقل لفك الحصار الاسرائيلي عن القطاع المكلوم، طالما ان لديها من القذائف المتطورة ما يحيل دبابات المحتل الى كومة من الحديد المحترق..!! ما الذي يمنع السنوار ان يطلق هذه القذائف فعلا، اذا ما كان صادقا ومقاوما بحق..!!

 وعلى أية حال، وعدا عن استعراضات السنوار الحربية هذه (...!!) فإنَّ ما يؤكد أن "حماس" لا تريد الانتخابات، وتعمل على عرقلتها، سؤال فذلكتها الدعائية الذي طرحه غازي حمد إثر الزيارة الثالثة لرئيس لجنة الانتخبات المركزية لغزة، السؤال الذي لا يبحث عن إجابة، ولا يسعى إليها، بقدر ما يريد العودة الى حوار الطرشان لا أكثر ولا أقل هكذا تسأل "حماس" على لسان غازي حمد "كيف ستجري الانتخابات في جو مسموم من الانقسام!!" وكأن الانقسام قد هبط على قطاع غزة المكلوم من المريخ، وليس من صنيعة حماس التي عززته وتعززه بسلطتها القمعية، وهذا يعني أن "حماس" لا تنظر الى الواقع كما هو، بل وتتعالى عليه بالادعاءات والمزاعم التي تريد بها براءة غير ممكنة، من جريرة الانقسام البغيض! "حماس" بسؤال حمد هذا لا تريد لصندوق الاقتراع أن يكون وهو الوحيد اليوم الذي بوسعه ان ينهي الانقسام بأصوات الناخبين الذين خرجت حشودا منهم غير مرة، وهي تهتف الشعب يريد إنهاء الانقسام.

إنه سؤال الخديعة وجو الانقسام المسموم، هو جو الاشتراطات اللامنطقية وغير الموضوعية، التي تضع العصي في دواليب عربة الانتخابات، وإن من يدعو اليوم إلى الحوارات الفصائلية، قبل صدور المرسوم الرئاسي، إنّما يصادق على سؤال الخديعة هذا، لكن الانتخابات بقدر ما هي حق وواجب واستحقاق دستوري ووطني وحضاري، بقدر ما هي اليوم الضرورة التي لا سبيل لتجاوزها، ولا بأي حال من الأحوال، كي يقول الشعب كلمته ويضع حدًّا لجائحة الانقسام البغيض، واستعادة الوحدة الوطنية، في ظلِّ سلطة القرار الوطني المستقل بلا ميليشيا ولا عنتريات طالما أثقلتنا بجراح ما زال نزيفها يكلفنا الكثير الكثير.