من حق كل قائد سياسي أو عسكري على رأس قوة، أو يقود بلدا أن يعتز بقوته، وقدرته على التصدي لأعدائه بهدف تعزيز الثقة في أوساط أنصاره وشعبه، بغض النظر عن الجغرافيا والاقتصاد والقدرة على التحمل. مع أن من بديهيات الانتصار الأخذ بعين الاعتبار عددا من العوامل: تقدير الموقف الجيد، وقراءة موازين القوى بعيدا عن المبالغة والتهويل، والمحافظة على الحالة المعنوية العالية في اوساط القوات والشعب على حد سواء، تأمين الغذاء والعتاد المناسب والملائم، محاربة الإشاعة والحرب النفسية ... إلخ.

وهناك مقولة عسكرية مفادها "لا يمكن لجيش أو قوة عسكرية جائعة أن تنتصر"، وأضيف، ولا يمكن لقوة عسكرية جيشا أو ميليشيا أن تصمد في وجه أعدائها إذا جوعت شعبها، وامتصت دماءهم، وساهمت في تشديد الحصار عليهم، واستخدمتهم للاتجار بهم، وبالغت في قدراتها بشكل تضليلي ديماغوجي، لأن صمود القوات من صمود الشعب، والعكس صحيح، خاصة في حرب العصابات الشعبية. ولا يمكن الفصل بين القوة والشعب. فلا يجوز القول، إن القوات لديها المؤن والعتاد المناسب ولفترات طويلة، ولكن الشعب محاصر وجوعان. هذه المعادلة تحمل ذات النتيجة، أي الهزيمة، أو على أقل تقدير عدم الصمود في وجه الأعداء.

هذا المدخل مرتبط بما حمله خطاب يحيى السنوار، أمس الأول، أمام مجموعة من الشباب في قطاع غزة، حيث لاحظ من قرأه، أن الرجل أعاد إنتاج فتحي حماد، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، عندما كان يدعي أن حركة حماس "لديها صواريخ من صناعتها المحلية تضاهي الصواريخ في الدول المتقدمة"، ليس هذا فحسب، بل إن ميليشيات حركته "لديها الاستعداد لتبيع للدول العربية وغيرها ما تريد من الصواريخ"، وكان يهرف بما لا يعرف في العلوم العسكرية، وفي إدارة الصراع مع عدو متغطرس من طراز إسرائيل الاستعمارية.

السنوار الذي حاول أن يكون عقلانيا في كثير من الأحيان، سقط يوم الإثنين في دوامة تضخيم الذات والقدرات، فهدد، وأزبد، وأرعد أكثر مما يجب، وبالغ بما هو موجود، وعدد الامتيازات لقدرات وعدد ميليشيات حركته بشكل مثير للدهشة والاستغراب، وكأن إسرائيل سترتعد فرائصها عندما تسمع ما جاء في خطابه، وهذا غير دقيق، لأن ما تملكه إسرائيل من قوة عسكرية تقليدية، ولا أقول غير تقليدية يمنحها ميزان قوى يميل بشكل صارخ لصالحها. فلا كتائب القسام ولا غيرها يرعبها، أو يثنيها عن أية حرب تريدها. دون أن يعني هذا، أن إسرائيل الاستعمارية لا تخشى المواجهة مع أي قوة، ولا تسعى قواتها للانخراط في حرب إلا إذا هي أعدت لها وفق أجندتها الخاصة، وبالتنسيق مع حلفائها في المنطقة والعالم، حتى إذا ما ذهبت لحرب مدمرة ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كما حرب تموز/ آب 2014 تكون محصنة سياسيا وعسكريا وإعلاميا. رغم القناعة الكلية أن إسرائيل كانت وستبقى دولة مارقة وخارجة على القانون، وقامت على أنقاض نكبة ودماء وتشريد أبناء الشعب الفلسطيني، ولا تغطيها كل الذرائع والحجج الواهية لجرائم حربها".

لكن بعيدا عن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية فإن ادعاء السنوار، بأنه يمتلك مئات وآلاف الكليو مترات من الأنفاق والكمائن، والدروع المضادة للدبابات والقذائف الصاروخية المصنعة محليا، وأنه قادر على إطلاق الصواريخ لمدة ستة أشهر على تل أبيب، وتهديد دولة الإرهاب المنظم، ولديه القدرة على المناورة بما لا يصل إلى حرب واجتياح شامل، وإن القيادات الإسرائيلية ستبقى صامته، وقابلة بالتكتيك الحمساوي، فيه سذاجة وهبل سياسي وعسكري، لأن قائد الانقلاب في غزة يعلم علم اليقين، أن الأركان الإسرائيلية لديها التكتيك المضاد، ولديها القوة الجوية التدميرية، التي ستعمل على قلب الأرض سافلها عاليها، وغزة بجغرافيتها الضيقة، وجوع وحصار شعبها، لا يؤهلها على الصمود، وكونها اكتوت بثلاث حروب تدميرية دون نتائج سوى تلميع حركة الانقلاب. والأهم وهو ما يعرفه السنوار، أن القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية لا تريد تصفية حماس، بل تريدها حية وقوية، وتعمل على تلميعها بين الفينة والأخرى وعلى حساب دماء الشعب ودمار البنى التحتية في المحافظات الجنوبية، لأن وجودها مصلحة استراتيجية إسرائيلية. وبالتالي ادعاء السنوار، لا يعدو أكثر من بضاعة فاسدة مسموح بها من قبل دولة العدو الإسرائيلي، أولا لتضخيم حماس وفي حال هاجمتها إسرائيل، يكون لديها ما تبرر به جرائم حربها أمام العالم؛ ثانيا تعميم خطاب السنوار لدلالته السياسية، من حيث تأكيده على تمسكه بخيار الإمارة، ورفضه في الوقت نفسه للمصالحة؛ ثالثا ويندرج في السياق تأكيده على الدور الإيراني الأهم في تعزيز قدرات حماس العسكرية. وهو ما يشير بشكل واضح هنا أيضا إلى رفض حماس على الأرض إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لأن الذي يريد الانتخابات لا يذهب للمنحى الخطير الذي ذهب إليه قائد الإنقلاب، بل يتبنى خطابا واقعيا يحمل فيه العدو الإسرائيلي المسؤولية عن كل الجرائم والنكبات، التي أصابت وتصيب الشعب، وأنه لا يسعى للحرب، ويعمل من أجل الانتخابات، وفتح الباب أمام المصالحة، ولا يتغنى بدور إيران، التي تشكل خطرا على فلسطين لا يقل خطورة عن دور إسرائيل الاستعمارية. لكن السنوار اراد إرسال رسائل لكل الدنيا وأولها للقيادة الشرعية الفلسطينية، ويعلمها برفضه للانتخابات.