أحدثَ الانقلابُ الذي نفّذتْهُ "حماس" ضدّ الشرعيةِ الوطنيّةِ خللاً ضربَ أسُسَ المشروعِ الوطنيِّ وكلَّ نواحي الحياةِ الدّاخليّةِ للمجتمعِ الفلسطينيِّ وأغرقَ الناسَ في دوّامةِ البحثِ عنْ مَخرجٍ من الحالةِ العبثيّةِ التي وجدَ الشّعبُ الفلسطينيُّ نفسَهُ في أتونِها بسببِ هذا الانقلابِ. ولعلَّ في مقدّمةِ مظاهرِ تلكَ العبثيّةِ تكريسُ الانقسامِ الناتجِ عن الانقلابِ والتّعاملُ معهُ كأمرٍ واقعٍ، واختراعُ الآليّاتِ التي تكتفي بإدارةِ الانقسامِ لكنّها لا تعملُ على إنهائهِ. لقد تمَّ تبديدُ أحدَ عشرَ عامًا في سلسلةٍ لا تنقطعُ من الحواراتِ التي تُتقِنُ "حماس" فنَّ استخدامِها لتثبيتِ سُلطَتِها الانقلابيّةِ، وكانت النتيجةُ هي ما نراهُ اليومَ من انتقالِ "وسطاء" الأمسِ إلى مربّعِ العلاقةِ المباشرةِ مع "حماس" على حسابِ القنواتِ الشّرعيّةِ للتعاملِ مع الشأنِ الفلسطينيِّ، ويسوقُ "الوسطاءُ حججًا لا نهايةَ لها لتبريرِ تعاطيهم المباشرِ مع الانقلابيّين، فتارةً يتحدثون عن ضرورةِ تقديمِ الدّعمِ الماليِّ لمَنْعِ انهيارِ الوضعِ في غزةَ، وتارةً يتذرّعونَ بالضروراتِ الأمنيّةِ، لكنَّ النتيجةَ العمليّةَ لكلِّ ذلكَ هي ترسيخُ الانقلابِ وتكريسُ الانقسام.

 

وبعيدًا عن الكارثةِ الكبرى التي تسبّبَ بها الانقلابُ وهو الضّررُ الجسيمُ الذي ألحقَهُ بالمشروعِ الوطنيِّ برمّتِهِ، فإنَّ تعطيلَ الحياةِ الدّيمقراطيّةِ الدّاخليّةِ لشعبِنا هي كارثةٌ لا تقلُّ خطورةً في آثارِها عن سابقتِها. فقد استطاعَ شعبُنا حتى لحظةِ إجراءِ الانتخاباتِ التشريعيةِ عام ٢٠٠٦ أن يكرّسَ الانتخاباتِ كوسيلةٍ لتجديدِ شرعيّةِ مؤسّساتِهِ الوطنيّةِ رغمَ وجودِ الاحتلالِ ورغمِ أنفِهِ أيضًا، ولعلَّ من أهمِّ دلائلِ صلابةِ ونضوجِ العمليةِ الديمقراطيّةِ هي قُدرةُ شعبِنا على اجتيازِ الصّدمةِ الكبرى التي مثّلها غيابُ القائدِ الرمز أبو عمّار، والمقصودُ هنا هي الطريقةُ السّلِسةُ التي تمَّ التعاملُ بها مع رحيلِ القائدِ المؤسّسِ وبسرعةٍ لا تتوفّرُ في الدّولِ المستقلّةِ والمستقرّة. من هنا يتّضِحُ حجمُ الدّمارِ الذي ألحقهُ الانقلابُ بفكرةِ المجتمعِ الديمقراطيِّ القادرِ على الحفاظِ على شرعيّةِ مؤسّساتِهِ، فقد عطّلت "حماسُ" العمليةَ الديمقراطيّةَ طوالَ هذه السّنواتِ، وحرمت جيلاً كاملاً من ممارسةِ حقّهِ الطبيعيِّ في اختيارِ من يرى أنّهم أهلٌ لثقتِهِ، علاوةً على حرمانِ هذا الجيلِ من الثّقةِ بالمُستقبَلِ وما يجرّهُ ذلكَ من هروبٍ جماعيٍّ من إمارةِ "حماس" وهجرةٍ نحوَ المجهول.

 

هذهِ هي الحالةُ التي تشكّلُ أرضيّةَ قرارِ السيّد الرئيس أبو مازن بالدّعوةِ لإجراءِ الانتخاباتِ، فلمْ يعُدْ من المُمكنِ انتظارُ معجزةِ موافقةِ "حماس" على إنهاءِ انقلابِها بعد كلِّ ما مارستْهُ من خداعٍ ومماطلةٍ لتثبيتِهِ حمايةً لمصالِحها ومصالِحِ القوى الإقليميةِ والدّوليّةِ الدّاعمةِ لها. وتدركُ "حماس" قبلَ غيرِها أنّ إجراءَ الانتخاباتِ في الضّفةِ وغزّةَ والقدسِ المحتلّةِ سيضعُ حدًّا للانقسامِ الناتجِ عن انقلابِها، لذلكَ لا يمكنُ أخذُ تظاهُرِ "حماس" بالموافقةِ على فكرةِ تنظيمِ الانتخاباتِ على محملِ الجدِّ، لأنها ببساطةٍ تعي تبعاتِها، ولو كانت أصلاً راغبةً في إنهاءِ الانقسامِ لما ماطلتْ طوالَ هذا الوقتِ لتبديدِ كلِّ جهدٍ لتحقيقِ ذلك. ولا تريدُ "حماس" من موافقتِها الشكليةِ على الانتخاباتِ سوى الزّجِ بها في متاهاتِ "اللجانِ" و"الأطرِ القياديّة" ودوّامةِ الحواراتِ المقيتةِ التي تتعمّدُ إفراغَها من أيِّ مضمونٍ.

 

*الانتخاباتُ أداةُ تجديدِ شرعيّةِ النّظامِ السياسيِّ، وهي حقُّ وواجبٌ واستحقاقٌ وطنيٌّ غيرُ قابِلٍ للنّقاشِ أو التفاوضِ ولا للمقايضةِ، ولأنّهُ كذلكَ فلا يمكنُ أنْ يخضعَ لحقِّ النّقضِ من أحد!

 

٦-١١-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان