سأضع قناعاتي جانبًا بشأن موقف حركة "حماس" من الانتخابات. وسأرحب بموقفها المعلن منها، وإعلانها الاستعداد للانخراط في العملية الديمقراطية. وهذا ما كنت شخصيا والغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني نطالب به، وندعو قيادات الحركة المعنية بمصلحة الشعب ووحدته للدفع بالعملية الديمقراطية لتأخذ مكانها الطبيعي والمنطقي وفق النظام الأساسي ليقرر الشعب عبر صناديق الاقتراع خياره، وموقفه من القوى والنخب والشخصيات السياسية الفاعلة والموجودة في المشهد، ويختار من يريد لتولي المسؤولية خلال اربع سنوات، وبالتالي يفتح الطريق واسعا امام مبدأ وقانون التداول السلمي للسلطة.

وكنت اشرت قبل ايام في زاويتي هنا، إلى أن على حركة حماس أن تتعلم من أقرانها، فروع جماعة الاخوان المسلمين في تركيا وتونس والمغرب وغيرها من الدول، وأن لا تخشى صناديق الاقتراع، إذا كانت تثق بقدرتها ومن أنصارها ومؤيديها في الشارع الفلسطيني، وتمضي قدما نحو تكريس العملية الديمقراطية، التي كانت تخشاها، وأعتقد انها مازالت تخشاها بحجج وذرائع لا أساس لها من الصحة في الواقع، والدليل أن انتخابات 2006، والنزاهة والشفافية، التي تعامل بها رأس النظام السياسي الفلسطيني، الرئيس محمود عباس خير دليل على ما ذكرت.

كما أن رئيس الشعب الفلسطيني أبدى الاستعداد بالسماح لكل المراقبين العرب والأمميين الإشراف على العملية الديمقراطية دون تدخل لضمان نجاح الانتخابات، ولمنح الآخرين الثقة بأن عملية التصويت، وفرز الأصوات ستكون تحت الشمس، وفي الضوء، وسيتم التصدي لكل التجاوزات، التي يمكن أن تؤثر على نزاهة وصدقية الانتخابات ونتائجها. لا سيما وان الانتخابات ستكون البوابة الأولى والأوسع لترميم الجسور، وفتح قوس المصالحة من خلال انتخاب ممثلي الشعب، وإيجاد برلمان مؤهل وقادر على صيانة النظام الديمقراطي التعددي، ويملك صلاحية التشريع وسن القوانين، وإعادة النظر فيما صدر منها خلال الإثني عشر عاما الماضية، ومنح او حجب الثقة عن هذه الحكومة او تلك، عن هذا الوزير او ذاك، عن هذا المسؤول او غيره.

إذًا لا يوجد احد في الشارع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي يريد إقصاء احد، أو حجب حقه الديمقراطي في التمثيل داخل قبة البرلمان بقدر ما يمنحه الشعب من المقاعد. والكل الفلسطيني يريد لحركة حماس التوطن في المشروع الوطني، لا العكس. لان من كان يرفض ذلك هي حركة حماس نفسها، وليس احد غيرها، نتيجة خشيتها من الانتخابات، ولعدم ثقتها بمنح الجماهير اصواتها لها، لانكشاف ظهرها من خلال ممارساتها اللاديمقراطية، والمتناقضة مع مصالح واهداف الشعب ووحدته، وبسبب لجوئها لاستخدام العصا الغليظة ضد ابناء الشعب المعارض والرافض لسياساتها، ولعدم التزامها بالنظام الأساسي، ولرفضها المصالحة، وإذعانها لاجندات خارجية إقليمية ودولية لا تمت بصلة للمشروع الوطني.

مع ذلك، الجميع، قوى وفصائل وأحزاب وشخصيات وطنية يعلن بصوت واحد، أهلا وسهلا بموافقة حركة حماس لإجراء الانتخابات، والكل يرحب ويبارك ويدعو الله عز وجل، ان تكون الموافقة صادقة وجدية، وليست مناورة تكتيكية، ولا تكون خطوة التفافية وهروبا للأمام من الاستحقاق الديمقراطي.

وإذا كانت حماس جادة تستوجب الضرورة منها العمل على الآتي: اولا لجم وضبط الأصوات المعارضة للانتخابات في صفوفها؛ ثانيا عدم السماح للقوى المعارضة للانتخابات من حلفائها بتعطيلها، ووضع العصي في دواليبها من خلال الذهاب لعمليات تصعيد مفتعلة وكاذبة، وتهدد مصالح الشعب باسم "المقاومة"؛ ثالثا عدم إعطاء إسرائيل الاستعمارية الفرصة لتعطيل الانتخابات؛ رابعا فتح القوس لحرية الرأي والتعبير والتنظيم والتظاهر والاعتصام في اوساط الشارع الفلسطيني بمختلف مشاربه وتوجهاته؛ خامسا الإعلان المبدئي عن وقف كل ما يقوم به أعضاء المجلس التشريعي السابقين من كتلة التغيير والإصلاح من انتهاك للقانون والنظام الأساسي، والالتزام بمرسوم حل المجلس السابق؛ سادسا منح حكومة الدكتور محمد اشتية الحرية في العمل للإعداد للانتخابات بالتعاون مع لجنة الانتخابات المركزية على الأرض في محافظات الجنوب دون تدخل من اية جهة تابعة لحركة حماس، أو لغيرها من القوى الحليفة لها؛ سابعا الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين والإعلاميين من اتباع حركة فتح وغيرها من القوى، ووقف كل عمليات الاعتقال السياسي.

رغم اني مازالت غير واثقٍ من مصداقية حركة حماس، لكني سأغلب الجانب الإيجابي لفتح قوس الأمل للذات وللجماهير الفلسطينية.