لا تزال إسرائيلُ نتنياهو وأميركا ترامب في الدوامة الكبرى، لم يصلا إلى شاطئ السلامة، لأنَّ نتنياهو وترامب بالغا في خداع بعضهما، وكلٌّ منهما أوهم صاحبه أنّه يستطيع مالم يستطعه أحد من قبل، بل إنَّ ترامب –وهو خالي الوفاض من أي عمق فكري أو إستراتيجي– أخذ يغرف من دون حساب من الحقوق الوطنية الفلسطينية ومن الحقوق العربية والإسلامية، ويعطي لنتنياهو بلا حدود ودون حساب، بينما نتنياهو يتظاهر أمامه بأنه سيسدّد له دَينه بالكامل إذا ما احتاج إليه، ها هو المأزق الوجودي يزداد صعوبة أمام كليهما، والعجز هو العامل الحاسم، فحاول كلٌّ منهما أن يخرج من المأزق بتغيير قواعد الاشتباك، نتنياهو ينقضي الوقت المتاح له لتشكيل الحكومة، مهدّد بأن يذهب إلى المحاكم، والمحاكم في حالته مرجّح أنّها ستذهب به إلى السجن، ماذا يفعل؟؟؟ يحاول أن يلعب خارج السقف، آخر الأخبار أنّه يريد من أفيغدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أن يتعهّد له بألّا يعطي صوته لحكومة تتعامل مع العرب أي مع القائمة المشتركة، متناسيًا الإهانات الساحقة التي تلقاها أفيغدور ليبرمان الذي أصبح حجر الزاوية في إسرائيل الآن، وكيف أن نتنياهو باعه في السابق حين أخذ منه وزارة الدفاع ووزارة الخارجية، وتركه في حالة عجز واحتقار.

 

أما الآخر، فذهب إلى ملف أخطر وأوسع مدى، وهو الإنسحاب الأميركي من شمال شرق سوريا، التخلي عن الحليف الكردي وتعريضه للذبح، وإعطاء أردوغان الضوء الأخضر في هجومه على سوريا، هذا ما فعله ترامب معتقدًا أنّه سيهرب من ملف "العزل" الذي يتصاعد إلى ملف آخر، ولكن النتيجة كانت صادمة، ملف العزل في تطور أعلى، والهجوم التركي ضدَّ سوريا أثار ردود أفعال صاخبة في العالم أعلى مما كان يتوقع ترامب، وهذا هو السبب وراء وجود مايك بنس نائب الرئيس الأميركي ومايك بومبيو وزير خارجيته في تركيا، والتطورات قد تُفضي إلى المزيد.

 

الموقف العربي بالإجماع ضدَّ الهجوم، وهذا ما صدر عن اجتماع الجامعة العربية قبل أيام، كان قرارًا وازنًا، خاصةً أنّه أعطى دعمًا كبيرًا لقرار آخر ننتظره بفارغ الصبر وهو عودة سوريا إلى حضورها المؤثّر في الجامعة العربية، بالإضافة إلى جميع الإشارات الأخرى، مثل الموقف الإيجابي السعودي من اليمن، والزيارات المبشّرة لمسؤولين إيرانيين إلى الإمارات، وحضور المنتخب السعودي إلى ملعب فيصل الحسني في القدس، ما يعني أنَّ كلَّ اقتراب عربي من الثوابت العربية هو إقتراب عربي من دور فاعل في أفق الحضور العربي الفاعل في القضايا الإقليمية والعالمية، الغياب العربي بسبب بعض الخلافات المفتعلة هو ضعف بل وجريمة في حق ثوابتنا العربية، وجريمة في حق حضورنا الممكن على صعيد الأمن العالمي.

 

هذا هو المنهج الذي نريد أن نعمّمه في هذه المرحلة، ومنطلقه دائمًا هو قضيتنا المركزية وهي القضية الفلسطينية المحقة والعادلة والمحمية بوعي شامل من قيادتها وشجاعة مبهرة من قبل شعبها، أمّا نتنياهو وترامب فهما في عمق المأزق الذي صنعاه، عبر الاستهتار والأكاذيب وكل موقف عربي ولو بالحد الأدنى يجعل المأزق يحاصرهما حتى النهاية.