ما بين السادس والثالث عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي جرت انتخابات برلمانية ورئاسية في تونس الشقيقة، وكانت بمثابة عرس للديمقراطية الحقة، وتمكن أبناء الشعب التونسي، الذين حرصوا على استخدام حقهم الديمقراطي في التقرير، وصوتوا لمن يريدون من القوى والأحزاب، واختاروا رئيسهم بحرية ودون ضغوط. وبغض النظر عما حصل من أخطاء هنا أو هناك، وأيا كانت النتائج من وجهة نظر هذا الإنسان أو ذاك، فطالما كان صندوق الاقتراع هو الحكم، على الجميع أن يعترف بالنتائج، ويقبل بها، ويتعامل معها بموضوعية، لأن السمة العامة للعملية الديمقراطية تمت بنجاح، وانتصر الشعب التونسي لنفسه ولخياراته. 

ومن فاز من القوى والأحزاب أو شخص الرئيس، إنما فاز بجدارته، وبمثابرته، وعطائه، وتمكنه من التواصل مع الجمهور، وعكس مصالحه. مما لا شك فيه، قد تكون بعض القوى استخدمت المال السياسي، ولكن هذا لا يعفي القوى الأخرى من التذرع بهذه الحجة، واعتبار عدم محالفته الحظ، يعود لهذا السبب. واعتقد أن شخص الرئيس الفائز بالانتخابات الدكتور قيس سعيد، كفرد تمكن من حرث الشارع التونسي بسيارته، وبتواصله مع الجماهير. ومن راقب الذين دعموه يحتار أمام التناقضات التي ربطت بين القوى المختلفة، فمن جهة دعمته بشكل واضح حركة النهضة الإخوانية، وائتلاف الكرامة السلفي المحافظ، وأيضا دعمته قوى المجتمع المدني والقوميون والعديد من اليساريين من جهة أخرى. كما أن نسبة الشباب الداعمة له تزيد عن 90% من المقترعين، وهناك نسبة عالية من الأكاديميين، بعكس المنافس الوحيد له نبيل القروي، الذي بلغت نسبة المصوتين له من الأميين ما يزيد عن 20%، وفق مصادر هيئة الانتخابات المركزية. 

بالنتيجة المنطقية والواقعية، فإن الانتخابات التونسية تعتبر انتصارا لتونس، وشعبها، وتكريسا للديمقراطية، وتحصينا للمجتمع المدني، الذي أصل له الرئيس الأول الراحل الكبير الحبيب بورقيبة. وشكلت نموذجا يحتذى به، ودرسا لكل الشعوب العربية والعالم ثالثية. وأهمية الدرس انه يأتي في لحظة مهمة من التطورات، التي تشهدها الساحة العربية، خاصة في السودان، والجزائر والعراق، والتي تمثل إرهاصات حقيقية وجدية لربيع عربي جديد ونوعي مغاير عن الخريف الأميركي الإسرائيلي، الذي عاشته دول وشعوب الأمة نهاية تشرين الأول/اكتوبر 2010، ومطلع 2011، وإن كنا نريد الدقة بعد انقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية أواسط حزيران/ يونيو 2007، التي كانت بمثابة رأس حربة للمشروع الإخواني في المنطقة. 

هناك تحديات جمة تنتصب أمام الرئيس الجديد، الدكتور سعيد، وأيضا امام البرلمان، لا سيما وأن النظام السياسي التونسي، هو نظام برلماني، حيث يتحمل البرلمان المسؤولية الأساس في رسم السياسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والقانونية ... إلخ دون أن ينتقص ذلك من مكانة ودور الرئيس، الذي له دور أساس أيضا في السياسة والدفاع، وبالعلاقة مع البرلمان، ورسم السياسة الخارجية للبلاد. وأمام الرئيس سعيد تحديات مباشرة بعد ادائه يمين القسم، أولا تأمين كتلة داعمة لسياساته داخل البرلمان؛ ثانيا تشكيل الحكومة الجديدة، وإمكانية دعم ائتلاف يتمكن من حصد 109 مقاعد لضمان التكليف لرئيس الحكومة؛ ثالثا ضبط إيقاع التناقضات بين الكتل المتناقضة داخل قبة البرلمان، وأثر ذلك على مستقبل العملية الديمقراطية؛ رابعا التحدي الاقتصادي، وإعادة الاعتبار للعملة التونسية "الدينار"؛ خامسا تعزيز روابط تونس مع دول المغرب العربي كأولوية، ومع المنظومة العربية عموما، والمنظومة الأفريقية ومع دول الاتحاد الأوروبي عموما وفرنسا خصوصا، والعمل وفق تصريح له، على إعادة تنظيم العلاقات الثنائية على أسس جديدة؛ سادسا دعم القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، التي أولاها اهتمامه الواضح في اول تصريح له بعد فوزه بالانتخابات مساء الأحد الماضي 13/10/2019، حيث أكد على أولويتها في الدعم، ما اثار حفيظة ايدي كوهين، الصهيوني المدعي، والذي لا يستحق التعليق. 

مرة اخرى مبروك لتونس الشعب والبرلمان والرئاسة، واتمنى لهم النجاح والتوفيق، والمزيد من التقدم والرقي.