في التنظيم السياسي فكرة عظيمة، وبدونها يُصبح التنظيم عبارة عن شلّة أصدقاء، أو مجموعة من المنتفعين، أو الانتهازيين أو العدميين.

في التنظيم السياسي أهدافٌ، وبدون وجود أهداف متفق عليها، ويتم الالتزام بالبرنامج الذي يبلورها يتحوّل التنظيم لشلل وزُمَر، وربما عصابات تلتقي عند مصالحها على حساب الأهداف الجامعة.

 

التنظيم فكرة وبرنامج وقِبلة

في التنظيم السياسي فكرٌ سياسي وبرنامج سياسي محدّد، وفي التنظيم الثوري فكر سياسي ثوري نضالي، وبرنامج سياسي ثوري نضالي مقاوم، وبلا ذلك فلا ثورة ولا نضال ولا تنظيم (منظمة). 

 في التنظيم السياسي فكرٌ سياسي نضالي له أسس وقواعد تحقق الأهداف أو الأفكار أو المتطلبات، وفي البرنامج الوطني الفلسطيني عامة فإن الأهداف كلها تخرج من تحت عباءة الغاية وهي تحرير أرضنا أرض فلسطين، وإلا فنحن مجرد موظفين مأجورين، أو روّاد تافهين لوسائل التواصل الاجتماعي والاعلام. 

 في التنظيم الوطني الثوري يكون الوطن هو القِبلة السياسية، فتتقزّم المشاريع الذاتية أو (الشِللية) أو المصلحية لتخدم القِبلة، فلا صلاة مقبولة وطنيًّا إن لم تكن قِبلتها فلسطين منذ التكبيرة الأولى. 

 

تِيه الدين والتنظيم والتزمير

  تتوه التنظيمات السياسية بين ثلاثة أمور الأول: حين تُدخِل الدين وتحشره في خطابها التحريضي فتوهم المستمعين أنّها الممثّل الشخصي لله حاشاه، فتقترف خطيئة بحق الدين وبحق التنظيم وحق الناس.

وتتوه التنظيمات أيضًا حين تصبح علاقة نضجها مرتبطة بالتهليل والتطبيل والتزمير لمنجزات وهمية، أو انتصارات خُلّبية منسوبة للتنظيم القائد حصريّا، أو فقط للزعيم الأوحد، أو رئيس المكتب السياسي أو اللجنة المركزية أوأمير المؤمنين فقط، والباقي سراب.

 وتتوه التنظيمات الثورية عندما تعبُد التنظيم لذاته من حيث هو قالب أو صنم أو حجر أو وثن بمعنى "عبادة الأسلاف" (قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا -من الآية 104- المائدة) دون النظر للأمام عبر الفعل والأداء اليومي المقاوم بكافة الأشكال الموصّل للغاية، وهي فلسطين. 

 تظهر عبارات التبجيل والتقديس الفارغة لهذا أو ذاك (عبادة الأسلاف) وكأنها مضمون الواجب! والواجب بهذه الصيغة لا يشكل عملاً أو إنجازًا، حيثُ لا عمل ولا إنجاز حقيقي دون فكر إبداعي، وفِعل، وتطوير برنامج، وحيثُ لا عمل وطنيّ ثوريّ نضاليّ ميدانيّ دون أهداف واضحة تتعاطى مع كل مرحلة بمنطق الوعي والتراكمية في إطار فهم العلاقة الوطيدة للأدوار (والواجبات والمهمات اليومية) لكل الأعضاء.

 

العضو عمل يومي

  إنَّ أي عضو في التنظيم دون عمل يومي، وواجب يومي يقوم به بذاته ولذاته ولوطنه، ومن التنظيم للوطن، إنما هو قنبلة موقوتة أو مشروع انتهازي أو مشروع حرامي أو مشروع انهزامي أصيل، لأنّ التنظيم السياسي برنامج سياسي ثوري، ونظام داخلي يؤصّل العلاقة، فيجعل من القانون هو الحكم وهو المرجع، وهو القاضي، فلا يتحلق هؤلاء أو أولئك على يمين السلطان أو شماله! فترمش عيونهم عندما ترمش عيناهُ، ويتهاوون مترنّحين حين يقطّب جبينه في وجه أحدهم، أو في وجوههم. 

فلسطين هي المرجع، وتحرير فلسطين هو الغاية وهدف التحرير يحتاج لقواعد مؤمنة بمكوّني قيم وأخلاق حركة "فتح"، وقيم وأخلاق الثورة الفلسطينية الرئيسة وهي: الإيمان بالله والنصر من جهة، والتضحية من جهة أخرى، وهذه من تلك. 

 

أمراضنا صُنعُنا

تعاني مختلف التنظيمات الفلسطينية اليوم من الأمراض المتعددة التي نعايشها جميعًا، وليس أبسط على ذلك من دلالة واقع التجزئة والاحتراب والتشرذم رغم هول ما يحيط بنا من مصائب وأزمات لم تفِد إلينا مع قدم إبليس في تل أبيب أو واشنطن فقط، وإنما من ذواتنا.

أمراضُنا هي من صنع ذواتنا بالأساس، وتجلّت منذ أن جعلنا من "الوطنية" عدوّة "للإسلامية" وأقِرت هذه الحقيقة ففصلت بين التنظيمات (والتي كلها وطنية)، لتكون في شقّ منها تدّعي حصريًّا "الإسلامية" ضمن المفهوم الفاسد المسمى "القوى الوطنية والإسلامية"؟ وكان الأولى أن تكون قوى المقاومة الوطنية أو فصائل العمل الوطني العربي الفلسطيني وكفى! وما "الإسلامية" بحقيقة احتكار الإسلام فكلنا مسلمون وإسلاميون، ومن يحتكره فهو "الإسلاموي".

 تبرز أمراض التعصّب الفصائلي واضحة بالافتراق على كفّة، ويظهر التشرذم لمنظمات المجتمع المدني (بعض المنظمات غير الحكومية) بين تمويل وتمويل يأكل الأهداف الوطنية! على الكفة الثانية، وما يتبع الافتراق على الكفتين من تيهٍ نتيجة افتقاد الهدف أو الفكرة الجامعة، وافتقاد البرنامج المشترك، وتعدد السُبُل والمناهج لدرجة عدم اللقاء، ونتيجة افتقاد القيم وأخلاق التعاون والتفكير المشترك والتنازل والتجاور والتحاور والتلاقي في منتصف الطريق. 

 

مؤتمرات بلا مؤتمرات!

يدخل بعض أبناء التنظيميات السياسية، والمجتمعية، لمؤتمراتهم العامة ليناقشوا ويتحاوروا ويقرروا ولكن هذا في الإطار النظري! فلا نرى بالحقيقة من ثقافتهم الوطنية الثورية أو الديمقراطية إلا أوراقًا باهتة تُلقي في ما يسمى صندوق الانتخابات دون أدنى اهتمام حقيقي بطرح الأفكار أو البرامج والمشاريع، أو مناقشتها وفرضها برنامجًا يتم السير عليه والمحاسبة عليه. فيصبحون مرضى انتهازيين بامتياز، وحراميّة بامتياز، وانهزاميين بامتياز، بل وجَهَلة برِفعة. 

 

نحن شؤم ولسنا قادة

إن لم نستطِع أن نحقق الربط، فنحن مفكّكون أبدًا.

وإن لم نستطِع أن نفصِل بين أهوائنا الشخصية، والمصلحة العامة فنحن سلاطين معزولون!

 وإن لم نرغب بالتقارب فنحن شؤم على القضية والمسيرة.

وإن لم نستطِع أن نتعالى على الجراح فلسنا قادة.

وإن لم ننتقد أنفسنا نقدًا ذاتيًا داخليًا، فكيف لنا إعطاء الآخرين النصائح وسيل الحِكَم "الفيسبوكية"!

إن لم نستطع أن نُبدع بالعمل، ونبدع بالقراءة العميقة، والتجربة النضالية، ونهِب ونتطور فكيف الخلاص؟

وإن لم نقُم بما يجب أمام شعبنا فنحن نذبحه من الوريد إلى الوريد. 

 

انتهازيون بامتياز!

وإن لم نكن من أمة شهادة الوسط (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ -من آية134 البقرة) فكيف نحكّم العقل ونحقق التوازن؟ (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)-الرحمان) 

 وكيف نحقق الرحمة والشدّة بميزان الوعي (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ-من آية29 الفتح) إن لم تكن اليد ممدودة، دون بغضاء أو ادعاء ربوبية، ولو في منتصف الطريق، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام!

 وهل نبتغي النصر من الله سبحانه، ونحن لا ننتصر في معركة الذات الشخصية، والوطنية؟ 

هل نحن انتهازيون بامتياز أم ماذا؟

وهل نحقق النصر على العدو الغاصب لأرضنا ووطننا، إن لم نحتضن تراب فلسطين في قلوبنا وعقولنا وفي خطواتنا العملية اليومية التي يجب أن نخطوها كلّها بتعاون والتزام ثابت، وإيمان وتناغم؟

  إذ بدون الإجابة عن كل الأسئلة -الواضحة أو المخفيّة- بالعمل وحفر القنوات! كيف لنا أن نخوض غِمار حروبنا القادمة؟ وهي قادمة لا محالة.