بعد مضي 46 عامًا على حرب تشرين الأول/ أكتوبر لم نسمع أو نقرأ أن العرب قد أجروا نقاشًا وتقييمًا موضوعيًّا بعيدًا عن المناكفات والخلافات بوجهات النظر فيما بينهم حول هذه الحرب. والأحداث عادة ما تقيم في سياقها التاريخي وبالظروف الموضوعية والذاتية المصاحبة لها.

 

 لكوني لست خبيرًا عسكريًّا أو استراتيجيًّا، فإنني سأكتفي بالنظر إلى هذه الحرب في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، وهي بذلك جاءت بمثابة الرد العربي على هزيمة حزيران/ يونيو 1967. أما عن سياقها الدولي، فهي جاءت في ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، ولكن هذا الواقع الذي كان يتحكم به ميزان قوى الرعب النووي بين الطرفين والذي كثيرًا ما كان يجعل سقف أي حرب محكومة بفكرة عدم الانزلاق بها إلى مواجهة مباشرة بين الجبارين النوويين.

 

المسألة الأخرى التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة كانت وما زالت تقف حائلاً دون إلحاق هزيمة ساحقة أو ملموسة بإسرائيل مهما كلف الأمر، فإسرائيل في نظر العالم هي خط أحمر أميركي ثابت يمنع المس به جوهريًّا، والعالم يتعامل ويلتزم بهذا الامر كما وكأنه مسلمة، ولعل الأزمة السورية الحالية قد أظهرت بوضوح تعامل الجميع دوليًّا وإقليميًّا مع هذه الحقيقة غير القابلة للمس.

 

في حينها كان التسليح السوفياتي لمصر يمنح هذه الاخيرة فرصة تحقيق انجاز عسكري ولكنه إنجاز محدود بالمدى والعمق والأهداف ولا يشكل استخدامه هزيمة ملموسة لإسرائيل، فالسوفيات كانوا يدركون حدود لعبتهم مع واشنطن بما يتعلق بإسرائيل، فالحرب بهذا المعنى العسكري كانت مضبوطة الحدود والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه.

 

وبعيدًا عن هذا السياق الموضوعي فإنَّ الحرب تعتبر نصرًا عسكريًّا عربيًّا وذلك باعتراف إسرائيل ذاتها التي شكّلت لجنة غرثانات الخاصة لمعرفة أسباب التقصير ومن المسؤول عنه. أما الدرس الأهم، من وجهة نظري، أن هذا الإنجاز جاء في سياق تضامن عربي جدي أثبت كم هو فاعل ومؤثر عندما يتحقق، وذلك عندما نسّقت مصر وسوريا خطواتهما في هذه الحرب، ودعم العرب السياسي لهما والذي تجسد في حينه، باستخدام الراحل الملك فيصل ملك العربية السعودية لسلاح النفط والذي كان يستخدم للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

 

في مقابل هذا الإنجاز الذي حققه التضامن العربي، فإنَّ ما تلا الحرب من عودة للانقسام والتشرذم، أفقد هذا النصر العسكري الكبير قيمته السياسية، عندما وافق العرب على مبدأ وزير الخارجية الأميركي، آنذاك، هنري كيسنجر بتجزئة الحل السياسي وجعله على مراحل وعلى كل جبهة على حدة.

 

أريد أن أذكر التحضير لهذه الحرب بدأ عمليًّا بقرار من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي رفض الرضوخ لمنطق الهزيمة أو التفاوض مع إسرائيل من موقع الضعف، وهو ما سعى إلى تحقيقه مع القيادة السوفياتية، في حينه، لإعادة بناء الجيش المصري وتسليحه بأحدث الاسلحة ليكون جاهزا لتغيير المعادلة وتعديل ميزان القوى. كما لا بد من الاشارة إلى أنَّ قرار الحرب قد اتخذه الرئيس السادات وحقق بمهارة المفاجأة الكبرى لإسرائيل، والتي سمحت بعبور قناة السويس.

 

والآن، وبعد مضي ما يقارب النصف قرن، أين نحن من هذا الإنجاز الذي تحقق في ظل التضامن العربي والقرار والإرادة العربية الموحدة، أين هو دور الأمة العربية اليوم في الصراع العربي الإسرائيلي!!