لمْ تُعلَن النتائجُ النهائيةُ للانتخاباتِ الإسرائيليّةِ حتّى الآن، ولم يتنطَّحْ أيٌّ منَ القُطبَيْنِ الحالِمَيْنِ بالفوزِ للاحتفالِ بعدَ إعلانِ النتائجِ الأوليّةِ التي لمْ تعطِ أيًّا منهما سببًا لذلك. وإن دلَّت النتائجُ الأوليّةُ على شيءٍ فإنّما تدلُّ على تكلُّسِ الخارطةِ الحزبيةِ الإسرائيليةِ مقارنةً بانتخاباتِ نيسان/ابريل الماضي. وقد يكونُ قانونُ الانتخاباتِ للكنيست الذي يَعتمدُ القائمةَ الواحدةَ والتمثيلَ النسبيَّ سببًا من أسباب تشظّي الأحزابِ وكثرةِ عددِ تلكَ التي تتخطّى الحاجزَ المطلوبَ للمشاركةِ في قسمةِ "كعكةِ" أعضاءِ الكنيست، حيثُ يبلغُ عددُ تلكَ الأحزابِ التي ستدخلُ الكنيست حسبَ النتائجِ الأوليّةِ ١١ حزبًا وتحالفًا، وهي حالةٌ غيرُ مسبوقةٍ في برلماناتِ الدّولِ الديمقراطيةِّ التي تدَّعي دولةُ الاحتلالِ انتماءَها إليها.

يمكنُ القولُ إنّ نتائجَ الانتخاباتِ تعكِسُ حقيقةَ التركيبةِ الاجتماعيّةِ والسياسيةِ والمطلبيّةِ والنزعةِ الدينيّةِ في الدولةِ الصهيونيةِ التي لم تتمكَّن بعد مرورِ ٧١ عامًا على قيامِها من إيجادِ قاسمٍ مشتركٍ واحدٍ يُجمِعُ عليهِ مواطنوها باستثناءِ ضرورةِ الجهوزيةِ الدائمةِ لصدِّ "الخطرِ الخارجيِّ". وإذا كانَ الحالُ كذلكَ فإنَّ الأكثرَ قدرةً على قيادةِ الحلبةِ السياسيّةِ هم المتطرّفونَ المستعدّونَ للإبقاءِ على حالةِ الاستنفارِ العامِّ، وهم على الأغلبِ خرّيجو المدرسةِ الأمنيّةِ بكلِّ تفرُّعاتِها التي تشكّلُ أساسَ بنيانِ الدّولةِ بلا منازع. ويلاحِظُ المتابِعُ للبرامجِ السياسيّةِ للقوى الرئيسةِ تشابُهًا يصلُ حدَّ التطابُقِ في سباقِ العداءِ للشّعبِ الفلسطينيِّ والتنكُّرِ لحقوقِهِ وعدمِ الاستعدادِ لخوضِ نقاشٍ جديٍّ يمكنُ أن يؤدّي إلى حلٍّ مقبولٍ للصّراعِ بعيدًا عن الهيمنةِ الصهيونيّةِ وما تمثّلهُ من نقيضٍ لإمكانيةِ التعايشِ والسّلمِ والاستقلالِ والسيادةِ الوطنيّةِ.

تُثبِتُ النتائجُ الأوليّةُ للانتخاباتِ افتقارَ الدولةِ الصهيونيّةِ إلى حزبٍ قويٍّ تقودهُ شخصيّةٌ تتمتّعُ بالمصداقيّةِ وبُعدِ النّظرِ والشجاعةِ الكافيةِ لاتّخاذِ خطواتٍ جديّةٍ تنقذُ المنطقةَ من دوّامةِ العنفِ الذي يكمنُ سببُهُ في الاحتلال الاستيطانيِّ الإسرائيليِّ في فلسطينَ وما يرافقُهُ من سياسةِ البطشِ والقتلِ اليوميِّ ومصادرةِ الأرضِ وبناءِ المستوطناتِ وغير ذلكَ من مظاهرِ الإرهابِ المنظَّمِ الذي تمارسُهُ سلطةُ الاحتلال. ويمكنُ القولُ إنّ عدمَ وجودِ الحزبِ القويِّ سيعطي الأحزابَ الصغيرةَ إمكانيّةَ فرضِ شروطِها رغمَ قلّةِ عددِ المقاعدِ التي حصلتْ عليها في الكنيست، وهو ما يولِّدُ ظاهرةً تميّزُ السياسةَ الإسرائيليّةِ، وهي ارتهانُ رئيسِ الحكومةِ لما تفرضهُ أحزابٌ هامشيّةٌ من شروطٍ، لأنّهُ مضطرٌّ لمراعاتِها حتى يتمكّنَ من تشكيلِ حكومتِه.

الجديدُ في ما أنتجتهُ الانتخاباتُ هو ترسيخُ دورِ الناخبِ العربيِّ الفلسطينيِّ وزيادةُ الوعيِ بانتمائهِ الوطنيِّ والقوميّ. لقد أعطت هذهِ الانتخابات مزيدًا من الثّقةِ بين الجمهورِ الفلسطينيِّ وقيادتِهِ التي أنجزت الوحدةَ واستخلصت الدّروسَ الضروريّةَ من الانتخاباتِ السابقةِ. وعلينا أن ننظرَ إلى تنامي دورِ إخوتنا خلفَ الخطِّ الأخضرِ بمزيدٍ من التفاؤلِ بالمستقبلِ والثّقةِ بأنَّ الدولةَ الصهيونيةَ وبعدَ كلِّ ما مارستْهُ من اضطهادٍ وتمييزٍ عنصريٍّ ضدّ شعبِنا الصامدِ في أرضهِ تجدُ نفسَها وجهًا لوجهٍ أمامَ حقيقةِ وجودِ كتلةٍ متماسكةٍ تعرِفُ حقوقَها جيّدًا وتناضلُ من أجلِها بكلِّ الوسائلِ المتاحةِ، كتلةٍ تُدرِكُ انتماءَها الوطنيَّ وتفرزُ قياداتٍ تضعُ القضيةَ الوطنيّةَ الفلسطينيّةَ في مقدمةِ أولويّاتِها. لقد تجاوزَ أهلُنا في الجليلِ والمثلّثِ والنَّقبِ إمكانيةَ التّهميشِ وأصبحوا قوّةً فاعلةً سيحسبُ لها أصحابُ القرارِ في الدّولةِ الصهيونيةِ ألفَ حسابٍ، فلن يكونَ هناكَ مكانٌ لمقولةِ "الدّولةِ اليهوديّةِ" عندما تكونُ القائمةُ الموحّدةُ العربيةُ-الفلسطينيّةُ هي القوّةَ الثالثةَ في الكنيست. ولن يكونَ بعيدًا ذلكَ اليومُ الذي سيكونُ قرارُ تشكيلِ الحكومةِ الإسرائيليّةِ أو إسقاطِها مرهونًا بإرادةِ ممثّلي شعبنا الصامدِ في وطنِهِ.

كأنَّنا عشرونَ مُستَحيل
في الّلدِ والرّملةِ والجَليل
هنا.. على صُدورِكم، باقونَ كالجِدار
وفي حلوقِكُمْ
كقِطعةِ الزُّجاجِ، كالصّبّار
وفي عُيونِكُم.. زَوْبَعةٌ منْ نار
هُنا على صُدورِكُمْ، باقونَ كالجِدار

١٨-٩-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان