بيان صادر عن قيادة حركة "فتح" في لبنان – إعلام الساحة
(أسرانا الأبطال بصمودهم وصبرهم يقضُّون مضاجع الاحتلال الصهيوني)

  يا جماهير شعبنا الصامد والمقاوم والصابر على طريق المجد والنّصر والحُرّيّة...
لقد جاء استشهادُ الأسير المناضل بسّام أمين محمد السايح من محافظة نابلس، في مستشفى "أساف هروفيه" النازي، ليقرع جرسَ الإنذار الفلسطيني في مسامع المجرمين القتلة، والمتآمرين الخونة، وعلى مسامع الصامتين الجبناء. جاء خبر الاستشهاد ليُعزِّز الثقة والأمل بنضال الحركة الأسيرة، التي تتقدَّم الصفوف اليوم لتعزِّز بصمودها وتضحياتها الخندق الأمامي بوجه الاحتلال.

إنَّ استشهاد الأسير المناضل بسّام السايح ابن السابعة والأربعين من العمر، وهو الذي عانى الأمرَّين جرّاء إصابته بسرطان العظم، وسرطان الدم منذ نحو ثماني سنوات، وكان السجَّان الصهيوني يذيقه يومياً المزيدَ من العذاب والتعذيب، والحرمان من العلاج وبشكل متعمَّد من أجل اغتياله هناك في غياهب الزنازين، رفع عدد شهداء المعتقلات الصهيونية إلى مئتين وواحد وعشرين شهيدًا منذ العام 1967.

ولا شكَّ أن أخطر ما يتعرَّض له الأسرى المرضى، هو الإهمال الطبي المدروس والمبرمَج، من أجل تدمير حياة الأسير المريض، الذي هو بأمسِّ الحاجة إلى العناية الطبية، كأسير يُمضي محكوميته لكنَّه يتمتّع بحقوقه كإنسان حسب قرارات الشرعية الدولية.

إنَّ اضطهاد الأسرى، وممارسة كلِّ أنواع التعذيب بحقهم، وحرمانهم من أدنى الحقوق البشرية، وخاصة منع أهلهم من زيارتهم لمدة شهور، وأحياناً سنوات من أجل كسر إرادة الأسير، وتعذيب والديه وأبنائه حتى يستسلم لإرادة الجلاد، ووضعهم في زنازين لا تصلح كمأوى حتى للحيوانات، وهذا ما يجعل الأمراض تتفشَّى وتنتشر بسرعة بين المعتقلين، هذا شديد الشبه بما كان يجري في المعتقلات النازية.

إنَّ عدد الأسرى في المعتقلات الصهيونية وصل مؤخّراً إلى نحو (6000) معتقل منهم (38) معتقلة فلسطينية، يتلقون أبشع وأقذر المعاملات من قبل السجَّانات اللواتي يوجِّهن إليهنَّ أسوأ العبارات، والإهانات، أمّا عدد الأطفال فقد كان يصل أحياناً إلى أربعماية وإن كانت الأرقام اليوم تشير إلى مئتين وعشرين طفلاً.

ولعلَّ الممارسات الصهيونية الإجرامية تمادت أَكثرَ فأكثر يوماً بعد يوم، خاصة ما يتعلّق بالأطفال، وليس فقط طريقة التحقيق معهم كما حدث مع أحمد مناصرة، وإنّما أيضاً في إصدار أحكام بالسجن المنزلي، وتحميل الأهل المسؤولية عن أي خلل. أمَّا الجديد في هذا الأمر فهو إصدار مذكرات توقيف وتحقيق بحق أطفال لم تتجاوز أعمارهم الأعوام الستة، وأحياناً الأعوام الأربعة.

وبعض الأطفال كان يتم استدعاؤهم عبر عائلاتهم للتحقيق معهم، وابتزازهم للحصول على معلومات منهم، وقد سبق أن استدعت سلطات الاحتلال الطفلة ملاك سدر ابنة الثمانية أعوام بهدف التحقيق.

ونحن نتحدَّث عن الأسرى الأطفال فإنَّ القسم الأكبر منهم موجود في معتقل مجدّو الذي يضم (63) طفلاً، وقد قام بعض الأطفال بالتصدي للجنود الذي يقتحمون مهجعهم، ويقيّدون ويضربون بعضهم في معتقل عوفر أيضاً، ويرشونهم بالغاز.

ونحن نستعرض معاناة وتضحيات المعتقلين الفلسطينيين الأبطال، يجدر بنا أن نُحَيي الأبطال الذي خاضوا معركة الاحتجاج على الاعتقال الإداري، وهو جريمة متعمَّدة بحق شبابنا من أجل الانتقام منهم، وشلِّ حركتهم، خاصّةً أنّه لا توجد أحكام بحقهم، وإنّما مجرَّد اعتقال، وأحياناً لسنوات دون أي مبِّرر، وهذه قمة الهمجية الصهيونية التي تستهدف الإرادة الوطنية الفلسطينية.

وهناك داخل المعتقلات خمسماية معتقل إداري، ومنهم من أمضى سنوات دون حُكم واضح. ونحن نثمِّن ونقدّر الإضرابات والاعتصامات عن الطعام، وأحياناً عن الطعام والشراب التي نفذَّها هؤلاء الأبطال عبر السنوات السابقة ومنهم من أضرب عدة شهور، وكان يرفض الضغوطات عليه من الجلاد ويُصرُّ على موقفه، واستطاع الكثيرون أن يكسروا قرار الاحتلال، وان يُحطِّموا القيود، وأن ينطلقوا إلى ساحات الحرية والكرامة والكفاح الوطني مع أبناء شعبهم على كل الجبهات.

استناداً إلى ما تقدَّم فإنَّنا ومن باب الوفاء للأسرى، والأسرى المرضى، والأسرى الشهداء نؤكِّد ما يلي:

أولاً: على القيادة الفلسطينية أن تدفع وتحرِّض دول العام لتحمُّل مسؤولياتها كاملة، تجاه موضوع حماية الأسرى الفلسطينيين، الذين يخوضون نضالاً وطنياً مشروعاً من أجل تحرير الأرض، وتحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، الذي يناضل منذ واحدٍ وسبعين عاماً من أجل الحرية، وإقامة الدولة، ولأنَّ الأسرى يخوضون معركة الحرية ضد الاحتلال فواجبُ المجتمع الدولي بكل مكوناته ومؤسساته أن يتدخَّل، على أعلى المستويات لإلزام الاحتلال الصهيوني الذي أدار ظهره للشرعية الدولية، بضرورة الخضوع للاتفاقات والمعاهدات الدولية، وتطبيقها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلّا فمن حقِّنا أن نسأل لماذا يُعطى الكيانُ الصهيوني هذا الهامش الواسع لممارسة الإرهاب وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني؟!

ثانياً: نؤكِّد للجميع بأنَّ شعبنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة أيضاً هو يعيش في معتقلات كمعتقلات الأسرى، وهم يعيشون الظروف الأسوأ تحت الاحتلال، فالاعتقالات تتم يومياً، وعمليات القتل الميداني لم تتوقّف، والتدمير متواصل، والتهويد على قدم وساق، والحصارات لا تتوقف، وعلى الاحتلال الصهيوني العنصري أن يفهم، بأنَّ التضييق والقهر والتعذيب  لشعبٍ كشعبنا، لا شكَّ سيؤدي إلى الانفجار، وليس إلى الانتحار، فهل سيستيقظ العالم ويتدارك الموقف؟!!

ثالثاً: أمام المشاهد والعذابات المؤلمة التي نراها، والتي تعيشها المعتقلات والزنازين، ليس أمام شعبنا في الداخل وفي الشتات، إلاَّ أن يكون حراكنا السياسي والجماهيري والقانوني، على أعلى مستوى من التفعيل، والتصعيد، والتحريك الإعلامي، ومخاطبة الهيئات الدولية المعنية، وخاصة جمعية الصليب الأحمر الدولية، ومطالبة الهيئات العالمية الحقوقية، والقانونية والإنسانية، بأن تمارس الضغوطات على أعلى المستويات، من أجل إرسال لجان تحقيق، للتعُّرف على الواقع المر الذي يعيشه الأسرى، ورفع التوصيات إلى الأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات الرادعة.

رابعاً: ما يؤلمنا ويزيدنا حزناً وغضباً أن تصمت الدول العربية والإسلامية، وخاصة على ممارسة العدو الصهيوني العنصرية والإجرامية بحق أخواتنا، وبناتنا الأسيرات في الزنازين وأقبية المعتقلات، والتنكيل بهنَّ، وتعذيبهنَّ لانتزاع المعلومات، وإصدار الأحكام العالية والجائرة، وهذا ما يحصل مع الأسيرة إسراء الجعابيص حالياً وزميلاتها ونحن نسأل: أين هي الحَمِيّة الإسلامية والعربية، والغيرة على أعراضنا من أجل أن تنتفض هذا الأمة لشرفها وكرامتها؟؟

خامساً: انطلاقاً من أنَّ أسرانا الأبطال هم المدافعون عن قدسية أرضهم، وكرامة شعبهم، ونيل حريتهم واستقلالهم، فهم صُنَّاع المجد والحرية والاستقلال بعد رحيل قوافل الشهداء، وهم رصيدنا الوطني، لأنَّ صبرهم وصمودهم أمام جبروت السجَّان النازي والصهيوني في غياهب الزنازين والمعتقلات هو الذي سيُنضج المستقبلَ الواعد، والاستقلال القادم.

وليكن شعارنا الأساس في هذه المرحلة هو احتضان أهالي الأسرى، وتكريمهم، والشدُّ على أيديهم، وزرع  الأمل في نفوسهم، والاحتفاء بالأسرى المحررين، والاستفادة من تجاربهم، وتوثيقها حتى تكون سلاحاً نقوِّي به إرادتنا، وصمودنا أمام السجَّان لاقتلاعه من أرضنا المباركة، وفتح الآفاق المضيئة بدماء شهدائنا، وعذابات أسرنا لشبابنا وأجيالنا القادمة، من أجل صناعة المستقبل الزاهر والواعد لشعبنا الأصيل، الذي أهَّلته سنواتُ الكفاح الطوال، لأن يكون شعباً رائداً يصنع الحريةَ، والاستقلال، والكرامةَ البشرية حتى يعيشَ العالمُ في سلام على أنقاضِ الصهيونية والعنصرية التي دمَّرت الحضارة الإنسانية.

في هذه المناسبة فإنَّنا نتوجَّه بِاسم حركة "فتح" في لبنان بالتحية والتقدير والامتنان إلى قادتنا، وروَّادنا في المعتقلات، والذين قادوا الحركة الأسيرة، وعاشوا التجارب بكلِّ مرارتها، وخاصة القائد الفتحاوي مروان البرغوثي، وأمين عام الجبهة الشعبية أحمد سعدات، وقدامى الأسرى كريم يونس ونديم يونس، ورفيق الشهيد ياسر عرفات فؤاد الشوبكي. وكل المشاعل الثورية الفلسطينية التي أضاءت سماءَ ثورتنا بعذاباتِها وآلامها في الزنازين، وأقبية المعتقلات.

التحية إلى قوافل الشهداء الأبطال الذين زرعوا فينا الأمل بالنصر والحرية وبزوغ الفجر مهما اشتدَّ الظلام.

والتحية موصولة إلى جرحانا البواسل الذين سالت دماؤهم في ترابنا المجبول بأجساد أجدادنا.

*ونحن نتحدَّث عن الأسرى والشهداء يجدر بنا ومن باب الوفاء لسيادة الرئيس أبو مازن، ولقيادة حركة "فتح"، أن نحيي وننوّه بالموقف المبدئي الذي تبنّاه الرئيس بخصوص رواتب أسر الشهداء والأسرى، وتحدَّى الجانب الأميركي والإسرائيلي اللذين سرقا أموال ورواتب هؤلاء، قائلاً لهم: الشهداءُ والأسرى هؤلاء مقاتلون من أجل الحُرية والاستقلال، وليسوا إرهابيين، ولو لم يبقَ معنا سوى قرشٍ واحد لأعطيناه للشهداء، والأسرى، والجرحى.
وكان هذا الموقف المبدئي قمةَ التحدي، وأيضاً قمةَ الوفاء لأشرف الناس في تاريخنا المعاصر.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والحُرّيّة لأسرانا صُنَّاع الحُرّيّة
والشفاء لجرحانا الميامين
وإنَّها لثورةٌ حتى النّصر


قيادة حركة "فتح" في لبنان
إعلام الساحة
9-9-2019