يصادف اليوم الاثنين، الذكرى السادسة والعشرون لرحيل الشاعر عبد اللطيف عطا سليمان عقل (1942-1993)، أحد أهم أعمدة الثقافة الفلسطينية في مختلف مجالاتها.

ولد عقل في قرية دير استيا شمال سلفيت، بعبقرية استثنائية حيث كان فيلسوفا وشاعرا وأكاديميا، كاتبا ومسرحيا، وأنتج ست مسرحيات وعملين أكاديميين، و10 أعمال شعرية، وكتابين من المقالات، وعددا من القصائد والمقالات غير المنشورة، والتي كان آخرها مسرحية بعنوان "الهجاج" وكان ينوي تمثيلها وإخراجها.

توفي عقل في منزله، يوم 26 آب 1993، عن عمر يناهز 51 عاما، إثر جلطة دماغية، تاركاً وراءه موروثا أدبيا وشعريا ضخما.

كتب بسام الكعبي عن حياته، توفي والده عطا سليمان عقل مطلع آذار 1948 قبل أن يتجاوز آخر العنقود السادسة من عمره، وترك الراحل خلفه أرملة، تزوجت لاحقاً، وثلاثة أبناء وثلاث بنات أصغرهم اليتيم عبد اللطيف.

دَخل عبد اللطيف عام 1949 الصف الأول ابتدائي في قرية دير استيا على بُعد ثلاثين كيلو متراً جنوب غربي نابلس؛ بناء على شهادة تقدير منحها أحد أطباء المدينة؛ تفيد بأنه في السابعة من العمر، علماً أنه لم يكن يتجاوز الخامسة، هذه الشهادة وفَرتْ له فرصة مبكرة لدخوله الأول ابتدائي ومنافسته لزملائه في الدراسة وتفوقه عليهم.

تأثر الطالب في المرحلة الإعدادية بطريقة إلقاء أستاذه محمد عبود أبو حجلة للشعر، وبالذات قصيدة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة. كان المدرس يغني القصيدة وينغّمها، ما ترك أثراً في نفسه وأبدى اهتماماً بالقصائد، وانتظم بالتردد على مكتبة فقيرة للمدرسة؛ بحثاً عن دواوين شعر، ثم أطلع زملاءه مبكراً على قصيدته الأولى، ليطلب منه المعلم أبو حجلة إلقاء أبياتها أمام طلبة مدرسة دير استيا الإعدادية.

زوجته أم الطيب قالت لـ "وفا"، إن زوجها عاش طفولته في ظروف صعبة وقاسية، عاش مع والدته سنوات قليلة قبل أن تتزوج ويمنع من رؤيتها، ثم سجن شقيقه الأكبر، الذي كان يتعلم منه الكثير، لاحقاً انتقل للعيش مع شقيقته، التي فجع بعدها بوفاتها، وبقيت نساء القرية يعتنين به حتى اشتد عوده وكبر.

وأضافت، كان يكتب الشعر وهو في السادس الابتدائي، ويلقي القصائد أمام أصدقائه في الصف، حيث سخروا منه في البداية، ثم اثبت نفسه حتى أصبح مدرس اللغة العربية هو من يشرف عليه ويسمع قصائده ويزوده بالكتب والمقالات السياسية التي كان يكتبها شقيقه.

وتابعت، درس المرحلة الإعدادية في مدرسة الضباط للجيش الأردني، نافس زملاءه في الدراسة وتفوق عليهم، على الرغم من أنه أصغرهم سناً، وتقدم لامتحان الثانوية عام 1962 وحصل على المراتب الأولى على مستوى المملكة الأردنية، ونال منحة لدراسة الفلسفة في جامعة دمشق، وفي العام 1966 حصل على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من دائرة الفلسفة في كلية آداب جامعة دمشق.

وبينت: كانت الأردن أرضا خصبة لتزويده بالكتب من خلال مكتباتها الكبيرة والمشهورة، وكانت الكتب الفلسفية اتجاهه.

الطبيعة مصدر الإلهام لعقل

شغل عقل معلماً للفلسفة في مدارس الوطن لعامين، عاش في الكويت فترة قصيرة، ثم عاد وعمل مدرساً في جامعة النجاح، ومحاضراً غير متفرغ في جامعة بيت لحم (1973-1975)، كما نال درجة الماجستير بعلم الاجتماع من جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة عام 1979.

تزوج للمرة الأولى عام 1968 من فتاة تعرف عليها في سورية، وانفصل عام 1972 دون أن ينجب أطفالا، ثم تزوج عام 1980 من أم الطيب وغادر برفقتها إلى مدينة هيوستن جنوب الولايات المتحدة لاستكمال دراسته العليا وحصل على شهادة الدكتوراه في طب علم النفس "علم الاجتماع الإكلينيكي" من جامعة هيوستن، وعمل هناك مساعد طبيب في عيادات الطب النفسي حتى العام 1984، وكان خلال هذه الفترة ايضاً مستشارا أكاديميا مع البعثة السعودية.

رزق بابنتيه التوأمين ليلى وسلمى عام 1981، ثم وَلَدَه الطيب عام 1984، ورزق بابنته جفرا في الأردن عام 1990.

وما بين الأعوام (1976-1984) كانت هناك غزارة في إنتاجية عقل وكتاباته، وفي ذلك توضح ابنته ليلى لـ"وفا"، أن أكثر ما كان يحرك والدها في الكتابة هو بعده عن فلسطين، وشوقه لها، حيث كانت الأحداث القوية تحصل وهو في الخارج.

ساهم عقل في تأسيس مركز السراج للثقافة والفنون والمسرح، ولجنة العضوية والقراءة في اتحاد الكتاب الفلسطينيين، حصل على عدد من الجوائز في علم النفس الاجتماعي والمسرحية، وفي بداية التسعينيات شغل منصب نائب رئيس جامعة النجاح الوطنية وأستاذاً بها.

وفي مسرحيته الشهيرة "البلاد طلبت أهلها" التي قدمها الفنان زهير النوباني عام 1989، تناول فيها مسيرة الشعب الفلسطيني، والمراحل التي مرت بها قضيته من خلال قصة قرية "أم الزيتون" التي ترمز لفلسطين.

كما اشتهرت قصيدته "حب على الطريقة الفلسطينية" التي غنتها كاميليا جبران، بأجمل الألحان الموسيقية الغنائية، ربط عقل بكلماتها الوطن مع المحبوبة، حين قال:

أعيشكُ في المحل تيناً وزيتاً

وألبسُ عريك ثوباً معطر

وأبني خرائب عينيك بيتاً

وأهواك حيّاً وأهواك ميتاً

وإن جعتُ أقتاتُ زعتر

وأمسحُ وجهي بشعركِ الملتاع

ليحمرَ وجهي المغبرْ

وأولدُ في راحتيك جنيناً

وأنمو وأنمو وأكبر

كانت قريته والريف الفلسطيني حاضرين في وجدانه وقصائده، يقول الدكتور فواز عقل لـ"وفا" عندما غاب فترة طويلة عن القرية وعاد سأله أحد الأشخاص هل اشتقت للقرية فقال: أنا لم أغب عنها لاشتاق لها، إنها تسافر معي.

من أعماله المسرحية، المفتاح (1976)، والعرس (1980)، وتشريقة بني مازن (1985)، والبلاد طلبت أهلها (1989)، والحَجر في مطرحو قنطار (1990)، ومحاكمة فنس بن شعفاط (1991).

 وصدرت مجموعة من مقالاته في كتابين: (سر العصفور الأزرق.. كالدم) عام 1985، و(السلام عليكم) عام 2007.

كما أصدر كتابين في الحقل الأكاديمي: علم النفس الاجتماعي (1985)، والإهدار التربوي (1983).

 ومن المجموعات الشعرية: شواطئ القمر (1964)، وأغاني القمة والقاع (1972)، وهي أو الموت (1973)، وقصائد عن حب لا يعرف الرحمة (1975)، والأطفال يطاردون الجراد (1976)، وحوارية الحزن الواحد (1985)، والحسن بن زريق ما زال يرحل (1986)، وقلب للبحر الميت (1990)، وبيان العار والرجوع (1992)، والتوبة عن التوبة (2006).