لا شكَّ أنَّ واحدًا من أهمِّ عواملِ التحوّلاتِ الاجتماعيّةِ خلالَ السّنواتِ القليلةِ الماضيةِ كان ظهورَ الشّبكةِ العنكبوتيّةِ (الإنترنيت) والهواتفِ المَحمُولة. ولا يَختلفُ اثنانِ على أنَّ "الإنترنيت" قد أحْدثَ ثورةً في كلِّ مجالاتِ الحياةِ، وفي المُقدّمةِ منها سُرعةُ الحصولِ على المَعلومةِ بمختلفِ أنواعِها والسّرعةُ المُماثِلةُ في نَشْرِ المعلومةِ وتعميمِها. وجاءتْ شبكاتُ ومنصّاتُ التواصُلِ الاجتماعيِّ لتضيفَ إمكانيةً جديدةً هي سُرعةُ وسُهولةُ التواصلِ بينَ الأفرادِ ونَشرِ أفكارِهم وأفكارِ المجموعاتِ والأحزابِ والحركاتِ السياسيّةِ والاجتماعيّةِ، وضَمانِ الوصولِ الفوريِّ إلى أعدادٍ ضخمةٍ من المُتَلَقّين.

 

كلُّ ما تقدّمَ ليس سوى جانبٍ واحدٍ منَ الصُّورةِ الشاملة. فعلى الجانبِ الآخرِ، وهو الجانبُ المُظْلِمُ للشّبكةِ العنكبوتيّةِ ومنصّاتِ "التواصُلِ" الاجتماعيّ، تقفُ مخاطِرُ الإدْمانِ وتَدميرُ الحياةِ النفسيّةِ للناشئينَ وفقدانُ الأهلِ لإمكانيّةِ التأثيرِ الأخلاقيّ الفعليّ في تَربيةِ أبنائهم أو حمايتِهم منَ الوقوعِ في فخِّ الأفكارِ والسلوكياتِ التي لمْ يكُن هناكَ أدنى إمكانيةٍ للوُصولِ بها إلى الأطفالِ والمراهقينَ قبلَ ثورةِ "الإنترنيت" والهواتفِ المحمولة. 

 

ولا يقلُّ عن ذلكَ خطورةً ما تشكّلِهُ الشّبكةُ العنكبوتيّةُ من خطَرِ تَعميمِ ثقافةِ الكَذبِ والتّضليلِ وبثِّ الإشاعاتِ ومحاولةِ التأثيرِ على الرأيِ العامّ والترويجِ للأفكارِ الهدّامةِ وإثارةِ الفوضى والخلافاتِ وتغذيةِ الطائفيّةِ والتّرويجِ للعُنفِ والإرهابِ وتبييضِ صورةِ الاحتلالِ وتعميمِ أنماطِ السلوكِ السلبيّ بكلِّ أشكالِها. وفي هذا المجالِ لا بدَّ من التّمييزِ بينَ ظاهرتَيْنِ يتمُّ استخدامُهُما لتحقيقِ كلِّ ما سبقَ من أهدافٍ:

- الظّاهرةُ الأولى هي ظاهرةُ ما يسمّى "تْرُول" أو "قَزَم" وهو مصطلحٌ مأخوذٌ من الكلمةِ الإنجليزيةِ Troll، التي ترمزُ لكائنٍ خرافيٍّ يشبهُ "الغولَ" ويَحملُ دلالةً سلبيةً مليئةً بالدّونيّةِ، وذو شخصيّةٍ مثيرةٍ للسُّخريةِ والاشمئزازِ. "ترول" في العالمِ الافتراضيِّ هو شخصٌ حقيقيٌّ لا يجرؤ على الكشفِ عنْ نفسِهِ، وإنّما يَنتحِلُ شخصيّةً وهميةً، وينحصِرُ دَورُهُ في الدّخولِ في نقاشاتٍ لا علاقةَ لها بالموضوعِ الذي يتنطّحُ لمناقشتِهِ، والهدفُ من كلِّ ما يطرَحُهُ هو حَرْفُ النقاشِ عن مَسارِهِ وإثارةُ الخلافِ بينَ المتناقشين. وقد يكونُ "ترول" فردًا مختلَّ الشّخصيّةِ يعملُ بمفردِهِ وبدوافعَ ذاتيّةٍ، لكنّهُ غالبًا شخصٌ أو مجموعةٌ تعملُ بشكلٍ منظّمٍ وتقبضُ ثمنَ عملِها منْ مشغّليها.

 

- الظاهرةُ الثانيةُ هي ما يُسمّى بالذُّبابِ الإلكترونيِّ، وهي الترجمةُ العربيّةُ لكلمةِ Bot الإنجليزيةِ التي تعني "روبوت" أو برنامجًا آليًّا يتمُ برمجتُهُ للقيامِ بمهامَّ محدّدةٍ وبسرعةٍ فائقةٍ يَصعبُ على الإنسانِ مضاهاتُها. وتُعتبَرُ ظاهرةُ الذُّبابِ الإلكترونيّ أخطرَ أدواتِ الحربِ في فضاءِ الشبكةِ العنكبوتيّةِ لما تشكّلُهُ من وسيلةٍ فعّالةٍ لنَشرِ الإشاعةِ والتأثيرِ على الرأيِ العامِّ، لدرجةِ أنّها أصبحتْ جزءًا من أدواتِ الصّراعِ بينَ الدّولِ والجماعاتِ والأحزابِ، وبشكلٍ لا يتركُ مجالاً أمامَ الإنسانِ العاديّ للتمييزِ بينَ الغثِّ والسّمين.

 

*الأخبارُ الكاذبةُ والوهميّةُ سلاحٌ خطيرٌ تستخدمُهُ جهاتٌ ليسَت لديها الجرأةُ الأخلاقيّةُ على الإفصاحِ عنْ حقيقَتِها، والضّحيّةُ الأولى للكذبِ والتّضليلِ هو المواطِنُ العاديّ. ولا سبيلَ لمُقاومةِ الكَذبِ سوى بزيادةِ الوَعيِ وتَنميِةِ الحَصانةِ الفرديّةِ والجماعيّة، فالحَليفُ الوفيُّ لفُرسانِ الظّلامِ في العالَمِ الافتراضيِّ هو الجَهْل

 

٢٤-٨-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان