يتزايدُ الاهتمامُ بظاهرةِ الاحتباسِ الحراريِّ التي أصبحتْ قضيّةً تستدعي القيامَ بإجراءاتٍ فوريّةٍ تتشارَكُ في تَحمُّلِ مسؤولياتِها كلُّ دولِ العالَمِ ومنظّماتِهِ وهيئاتِهِ الإقليميّةِ والدوليّة. فما أهميّةُ هذهِ الظاهرةِ؟ وما مدى تأثيرِ نتائجِها على منطقتِنا المليئةِ بالصّراعاتِ والحروبِ والأزمات؟

 

ظاهرةُ الاحتباسِ الحراريِّ تتلخّصُ بالارتفاعِ المُضطَرِدِ لدرجةِ حرارةِ سَطحِ الأرضِ ومياهِ البحارِ والمحيطاتِ نتيجةً لتزايدِ كميّاتِ غاز ثاني أوكسيد الكربونِ وغازِ الميثانِ وبعضِ الغازاتِ الأخرى وتراكُمِها في الغلافِ الجويِّ، وهي الغازاتُ التي تَحُولُ دونَ تخلّصِ الكرةِ الأرضيّةِ منْ فائضِ الطاقَةِ الحراريّةِ التي تصِلُها معَ أشعّةِ الشمسِ. ويُجمِعُ المختصّونَ على أنَّ الارتفاعَ في درجاتِ الحرارةِ هو ظاهرةٌ ملازمةٌ للثورةِ الصناعيّةِ، وبالتالي تتحمّلُ الدّولُ الغنيّةُ الجزءَ الأكبرَ منْ مسؤوليةِ العمَلِ على الحدِّ منها من خلالِ تقليصِ كميّةِ الغازاتِ الناتجةِ عن دورةِ الحياةِ الصناعيّةِ، بما في ذلكَ وسائلُ النّقلِ ومحطّاتُ توليدِ الطاقةِ والأجهزةُ المنزليّةُ وغيرُها منْ مصادرِ التلوّثِ التي تشكّلُ عصَبَ الاقتصادِ الصناعيّ الحديثِ.

 

يتمثّلُ خطرُ ظاهرةِ الاحتباسِ الحراريِّ بتأثيرِها المباشرِ على المناخِ من خلالِ تسارُعِ ذوبانِ الثلوجِ في القطبِ المتجمّدِ الشماليّ وارتفاعِ منسوبِ المياهِ في البحارِ والمحيطاتِ، وزيادةِ وتيرةِ الكوارثِ الطبيعيّةِ كالفيضاناتِ والأعاصير، وكذلكَ في تناقُصِ كميّةِ الأمطارِ وزيادةِ نسبةِ الأراضي المعرّضةِ للجفافِ والتصَحُّرِ وما ينتجُ عنهُ من نقصِ الانتاجِ الزراعيِّ كمصدرٍ للدخلِ، وما ينتجُ عن كلِّ ذلكَ منْ هجرةٍ، سواءً داخلَ الدّولةِ الواحدةِ أو عبْرَ الحدودِ والبحارِ إلى مناطقَ أخرى. 

 

إنَّ نَقْصَ المياهِ وتقلّصَ مساحةِ الأراضي القابلةِ للزراعةِ واضطرارَ الفلّاحينَ إلى الهجرةِ إلى المدينةِ بحثًا عنِ العملِ الذي يَصْعُبُ الحصولُ عليهِ في ظلِّ شُحِّ إمكانياتِ الدّولةِ المركزيّةِ والافتقارِ إلى التخطيطِ، إضافةً إلى ظواهرِ الفسادِ وهدْرِ المالِ العامّ.. كلُّ هذا يشكّلُ أرضيةً خصبةً للصراعاتِ الداخليّةِ والحروبِ الأهليةِ. وفي هذا السياقِ تجدُرُ الإشارةُ إلى أنَّ هذا كانَ أحدَ أهمِّ أسبابِ اندلاعِ الحربِ الأهليّةِ في سوريا.

 

في مُواجهةِ هذهِ الظّاهرةِ تمّ التوصّلُ إلى عددٍ من المعاهداتِ والاتفاقيّاتِ الدوليةِ، كانتْ آخرَها اتفاقيّةُ باريس عام ٢٠١٥ والتي انسحبتْ منها إدارةُ ترامبْ، مثلما انسحبتْ من كثيرٍ من الاتفاقياتِ والمعاهداتِ الدوليةِ والإقليميةِ والثُّنائية. ويتمثّلُ الهدفُ الرئيسُ لهذهِ الاتفاقيّاتِ بالحدِّ منَ الاعتمادِ على الوسائلِ التقليديّةِ للطاقةِ من أجلِ خفضِ كميّةِ ما تتسبّبُ بهِ من تلوّثٍ للبيئةِ وما ينتجُ عنها من غازات حابسةٍ للحرارة. هذا بدَورهِ سيُجبِرُ الدّولَ الصناعيّةَ على زيادةِ اعتمادِها على مصادرِ الطاقةِ البديلةِ والنظيفةِ، حيثُ تتّجهُ دولٌ عديدةٌ نحوَ التوقّفِ عن انتاجِ المركباتِ ذاتِ المحرّكاتِ التقليديّةِ والاستعاضةِ عنها بالمركباتِ الكهربائيةِ، إضافةً إلى إغلاقِ مناجمِ الفحمِ وتعميمِ استخدامِ التقنيّاتِ التي تعتمدُ على المصادرِ الطبيعيّةِ لإنتاجِ الطاقةِ، كالهواءِ والماءِ وأشعّةِ الشّمسِ والمياهِ الجَوفيّةِ الساخِنة.

 

سيكونُ تقليصُ الاعتمادِ على النفطِ والفحمِ الحجريِّ أهمَّ نتائجِ السياساتِ الهادفةِ إلى الحدِّ منْ ظاهرةِ الاحتباسِ الحراريّ، وهذا بدورِهِ سيُفقِدُ الدُّولَ المنتجةَ لهذهِ الخاماتِ المَصْدَرَ الرئيسَ لدَخْلِها، وهو ما سيؤدّي إلى مزيدٍ منَ القلاقلِ والنزاعاتِ الداخليّةِ والإقليميّةِ، لكنّهُ بالمقابِلِ سيؤدّي إلى تَراجعُِ الأهميّةِ التي تحظى بها المنطقةُ العربيّةُ وجِوارُها، وهي التي يشكّلُ النفطُ مصدرَ ثروتِها الوحيدَ، لكنّهُ في نفسِ الوقتِ مصدرُ نقمةٍ لشُعوبِها التي تعاني وعبرَ سنواتٍ طويلةٍ منَ الهيمنةِ الاستعماريّةِ الغربيّةِ الهادفةِ إلى السّيطرةِ على المنطقةِ ونهْبِ خيراتِها، سواءً بطريقةٍ مباشِرةٍ أو من خلالِ إقامةِ ورعايةِ الدّولةِ الصهيونيّةِ في فلسطينَ.

 

*لمْ يُحْسِن العرَبُ استخدامَ سلاحِ النّفطِ لحمايةِ أرضِهِم والدّفاعِ عنْ مصالِحهِم وكرامتِهِم، فهَلْ يُنقِذُ الاحتباسُ الحراريُّ أمّتَنا منْ لَعْنَةِ الذّهَبِ الأسْوَد؟

 

١٨-٨-٢٠١٩

 

*رسالة اليوم*

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان