عندَ انطلاقةِ الثورةِ الفلسطينيّةِ المُعاصِرةِ في الفاتحِ من كانون الثاني/ يناير ١٩٦٥ حدّدتْ حركةُ "فتح" هدفَها بتحريرِ فلسطينَ وإقامةِ دَولةٍ ديمقراطيّةٍ علمانيّةٍ دونَ تمييزٍ بينَ مواطِنيها لأيِّ سببٍ كان. 

وقدْ شكّلَ هذا الهدَفُ محورَ إجماعٍ في السّاحةِ الفلسطينيّةِ، فقدْ جاءتْ ثورةُ الشّعبِ الفلسطينيِّ ردًّا مباشرًا على إقامةِ كيانٍ دخيلٍ على الجُزءِ الأكبرِ منْ وطنِه، كيانٍ يتّسِمُ بالعُنصريّةِ ويَعتمِدُ على الأساطيرِ ويستخدمُ الدّينَ كساترٍ لعُدوانِهِ على شَعبِنا، وبالتّالي منَ الطبيعيِّ أنْ يكونَ الهدفُ الرئيسُ هو إزالةُ هذا الظّلمِ الذي لَحِقَ بشَعبِنا وإقامةُ دَولةٍ تُشكّلُ نقيضَ الدّولةِ الصهيونيّةِ، ومنْ هنا كانَ التركيزُ على "ديمقراطيّةِ وعلمانيّةِ" الدّولةِ الفلسطينيّةِ المنشودة. 

 

جاءتْ حربُ حزيرانَ/ يونيو ١٩٦٧ وما نتجَ عنها من احتلالِ بقيّةِ فلسطينَ بما فيها القدسُ، لتطْرَحَ أمامَ الحركةِ الوطنيّةِ الفلسطينيّةِ بقيادةِ حركةِ "فتح" مسؤولياتٍ جديدةً كانَ أهمَّها هو التصدّي للاحتلالِ والحيلولةُ دونَ تَكريسِ سيطرَتِهِ على الأرضِ المحتلّةِ، خاصّةً في ظلِّ موازينِ القوى الدوليّةِ والإقليميّةِ التي بدأتْ تتقبّلُ وجودَ الدّولةِ الصهيونيّةِ مقابِلَ إنهاءِ احتلالِها، وبِشَرْطِ اعترافِها بِحقِّ الشّعبِ الفلسطينيّ بإقامةِ دولتِهِ المستقلّةِ في الضفّةِ الفلسطينيّة وغزّةَ.

 

جاءَ الردُّ الفلسطينيُّ على كلّ تلكَ التحدّياتِ عبرَ تبنّي منظّمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ عام ١٩٧٤ لما سُمّيَ بالبرنامجِ المرحليِّ أو برنامجِ النقاطِ العشرِ الذي أقرَّ مبدأ "إقامةِ السُّلطةِ الوطنيّةِ الفلسطينيّةِ" على أيِّ جزءٍ يتِمُّ تحريرُهُ أو دَحْرُ الاحتلالِ عنهُ، وهو موقفٌ تطوّرَ لاحقًا ليتبلورَ في هَدفٍ واضحٍ بإقامةِ الدّولةِ الفلسطينيّةِ المُستقلّةِ على حُدودِ الرابعِ من حزيران/ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتُها القُدسُ الشرقيّة.

 

كيفَ نفهمُ فِكْرةَ إقامةِ الدّولةِ الفلسطينيّةِ في سياقِ الصّراعِ الفلسطينيِّ مع المشروعِ الصهيونيِّ وفي ظلِّ فَهمِنا للحقِّ التاريخيِّ لشَعبِنا في وطنِهِ فلسطين؟

 

أولاً: يُعتَبَرُ إنجازُ حقِّ العَودةِ مدخَلاً لتَطبيقِ بقيّةِ الحُقوقِ الوطنيّةِ الفلسطينيّة. والهدفُ من وراءِ الإصرارِ على أولويّةِ إنجازِ هذا الحقِّ -إضافةً إلى كَونِهِ حقًّا ثابتًا فرديًّا وجماعيًّا- هو إجبارُ إسرائيلَ على الاعترافِ بمسؤوليّتِها عن مأساةِ اللاجئينَ ونَكْبةِ الشّعبِ الفلسطينيّ.

 

ثانيًا: عندَما نَضْمنُ إنجازَ حقِّ العودةِ ونبني دولتنَا المستقلّةَ فهذا يعني أنَّ "إسرائيلَ" التي نَعرِفُها الآنَ لمْ تَعُدْ قائمةً، كما يعني بالدّرجةِ الأهمِّ تَمكينَ شَعبِنا من مُمارسةِ سيادتِهِ في دَولتهِ الخاصّةِ بهِ، وهو شرطٌ لتَرسيخِ شخصيّتهِ الوطنيّةِ ولمُساهَمتِهِ في رَكْبِ الحَضارةِ الإنسانيّةِ.

 

ثالثًا: لنْ يَصمِدَ حَلُّ الدولتَيْنِ إلى الأبدِ، فإنْجازُ حقِّ العَودةِ وما يعنيهِ من تَغييرٍ سكّانيّ (ديمغرافي) في فلسطينَ سيفرضُ نفسَهُ على طبيعةِ الدّولةِ التي تَحْمِلُ الآنَ اسمَ "إسرائيل"، بينما ستكونُ الدولةُ الفلسطينيّةُ عُمْقًا حَيويًّا للفلسطينيّينَ داخلَ الخطِّ الأخضرِ، ولا يُمكِنُ على المدى الطّويلِ بعدَ هزيمةِ الفِكْرِ الصهيونيّ، وفي ظِلِّ التّنافسِ والتّعايشِ السّلميّ، الاحتفاظُ بحُدودٍ وَهْميّةٍ في فلسطينَ التاريخيّةِ، ولنْ يَكونَ هناكَ حلٌّ دائمٌ سوى الحلِّ الذي طرَحَتْهُ "فتح" عندَ انطلاقتِها، حلِّ الدّولةِ الديمقراطيّةِ العلمانيّةِ في فلسطينَ ما بينَ النّهرِ والبحرِ.

 

رابعًا: يجبُ أنْ لا يُغرينا الفِكُرُ العبثيُّ الذي احْترَفَ ممارسةَ الشّعوذةِ السياسيّةِ، سواءً بالتخلّي عنْ حَلِّ الدّولتَينِ والتّعاطي معَ أوْهامِ الدّولةِ الواحدِةِ دونَ الدُّخولِ الإجباريّ من بوّابةِ إنجازِ حقِّ العودةِ وإقامةِ الدولةِ الفلسطينيةِ المستقلّةِ، أو من خلالِ الإصرارِ على تحريرِ فلسطينَ "بالجُملةِ" ومرّةً واحدة. فالنّتيجةُ الحتميّةُ لفكْرِ الشعوذةِ هذا لنْ تكونَ سوى سيطرةٍ إسرائيليةٍ مُطْلَقةٍ على كاملِ أرضِ فلسطين.

 

*أخطرُ المشَعْوذينَ وأكثرُهمْ نِفاقًا ودَجَلاً هُمْ أولئكَ الذينَ يتّهِمونَ "فتح" بالتّفريطِ بالحقِّ الفلسطينِيِّ من خلالِ تبنّيها لمشروعِ إقامةِ دَولةٍ فلسطينيّةٍ على مساحةٍ تقلُّ قليلاً عن عشرينَ بالمئةِ من أرضِ فلسطينَ التاريخيّةِ، بينما يَعملونَ كلَّ ما في وُسْعِهم لإقامةِ دُوَيلةٍ في قطاعِ غزّةَ الذي لا تتعدّى مساحتُهُ واحدًا ونصفًا بالمئةِ من مساحةِ فلسطين.

 

١٧-٨-٢٠١٩

 

*رسالة اليوم*

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان