هي مهد المسيح عليه السلام، ومن أهمِّ الأماكن المقدّسة ووجهاتِ السياحةِ الدينية، وإحدى أقدمِ كنائسِ العالم، إنّها كنيسة المهد، التي تقع في مدينةِ بيت لحم جنوبيِّ الضفة الغربية.
بُنيَت كنيسة المهد في القرنِ الميلاديّ الرابع في عهد الملكةِ هيلانة التي شيَّدتها هي وابنها قسطنطين ببناءٍ رائع ومهيب زُيِّن بالفسيفساء المغطّاة بقشرةٍ ذهبية، والتي تُعَدُّ من كنوزِ الكنيسة ليس لقيمتِها الماديةِ فقطْ بل أيضًا الفنيّةِ نظرًا لتميُّزِ تقنية صناعتِها.
 وتُعدُّ الكنيسة مقصدًا سياحيًا يستقطبُ السياح من دول العالم كافّةً، بالإضافة إلى احتضانها للفعاليات الدينية للاحتفال بعيد الميلاد، وإقامة الاحتفالات والمهرجانات داخل ساحتها، علاوةً على استقبالها لآلاف الحجّاج من المسيحيين. وتتميَّز الكنيسة بِوجود بابٍ صغيرٍ اختلفت آراء المؤرّخين حوله وحول سرّ حجمه. فالبعض قال إنَّ الهدف منه هو إجبار كلِّ زائر على الانحناء مهما علت منزلته، تكريمًا لهذا المكان المقدَّس الذي وُلِدَ فيه السيد المسيح، وآخرون قالوا إنَّ الأمر يتعلّق بسهولة إغلاق الباب إذا تعرَّضت الكنيسة لأي هجوم أو اقتحام، وفي رأيٍ ثالث قيل إنّ الباب الصغير يمنع المقاتلين الفرسان من دخول الكنيسة على ظهور خيولهم.

شاهدةٌ على وحشيةِ الاحتلال وبطولة أبناء شعبنا
وكأي معلَمٍ ذي قيمة دينية ووطنيّة، لم تسلَم كنيسةُ المهد من جبروت المحتل، فبعد الانتفاضة الثانية، وتحديدًا في شهر نيسان عام 2002، اجتاحت قواتُ الاحتلال الإسرائيلي مدينة بيت لحم في عملية أطلقت عليها اسم 'السور الواقي'، فاعتدت على الأهالي، وعاثت في المدينة خرابًا، ممَّا دفع عددًا من الفدائيين والجرحى والنساء والأطفال إلى التحصُّن داخل الكنيسة، فحاصرتها قواتُ الاحتلال، وقصفت الكنيسة بعد أربعة أيام من الحصار.
ولم ينتهِ الأمرُ عندَ هذا الحد، إذ دامَ الحصارُ 39 يومًا قطعت قوات الاحتلال خلالها عن المحاصَرين الماءَ والكهرباء، ومنعَت إدخالَ الأدويةِ والغذاء، وبقيَ الحالُ على ما هو عليه حتى وضعت (إسرائيل) المحاصَرين أمام خيارَين، إمَّا أن يُسلِّمَ المقاومون المطلوبون أنفُسَهُم أو أن تُدمَّرَ مدينةُ بيت لحم بأكملها، وبعد مفاوضات تقرَّرَ إبعادُ 39 مناضلاً إلى أوروبا ومدينةِ غزّة، ولا يزالون مُبعدين حتى يومنا هذا.
وما تزال المطالبات الدائمة بعودة المبعدين لأرض الوطن من قِبَل السلطة الفلسطينية والجهات الدينية مستمرة، وكانت آخرها مُناشدة المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، الذي قال لدى استقباله وفدًا من عائلات الشباب المبعدين عن كنيسة المهد، "إنَّ يوم الجمعة 10 أيار عام 2002، سيبقى عالقًا في ذهن ووجدان المبعدين قسرًا عن مدينة بيت لحم، بعد أن كانت الكنيسة محاصرة".
وتابع: "نحن بدورنا نضمُّ صوتنا إلى جميع الأصوات التي تُنادي بعودة هؤلاء المبعدين عن مدينتهم بطريقة ظالمة تعسُّفية غير مبرّرة وغير مقبولة على الإطلاق".

ترميم الكنيسة
بدأت أعمال ترميم الكنيسة عام 2012 وما تزال جاريةً حتى اليوم. ومن خلالها استُعيدَت أجزاء مهمة من الكنيسة، واكتُشِفَت لوحات جمالية أخفاها الزمن. وكان آخر ما اكُتشِف في الكنيسة عقب أعمال الترميم جرن المعمودية القائم في الممر الجنوبي للكنيسة. وخلال أعمال الدراسات والتحاليل الأثرية الأولية لحجر المعمودية والتي تسبق أعمال الترميم، اكتشف جرن معمودية آخر دائري الشكل، حيثُ كان قد أخفي داخل جرن المعمودية القائم ذي الشكل الثماني والمصنوع من حجر مشابه لحجر الأعمدة.
وما تزال أعمال الدراسات الأثرية والتاريخية جارية لزيادة المعرفة عن تاريخ الكنيسة وعناصرها الفنية الأثرية، حيثُ سيرمّم جرن المعمودية من قِبَل المرمّمين المختصين وفقًا للمعايير الدولية للترميم.
وأكَّد الخبراء أنَّ اكتشاف جرن المعمودية سيُسهم في زيادة المعرفة حول تاريخ الكنيسة وأهميتها عبر الحقب التاريخية المختلفة، والتي هي جزء مهم من تاريخ وحاضر فلسطين.
بدورها، أكّدت القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس محمود عبّاس، ضرورةَ إنهاء أعمال الترميم اللازمة للكنيسة، مشيرةً إلى أنّه من مسؤولية دولة فلسطين المحافظة عليها للأجيال القادمة، حيث تأتي هذه الجهود في إطار الجهد التاريخي للقيادة الفلسطينية لتعزيز الحضور المسيحي في فلسطين والأراضي المقدسة.

أكثر الأماكن قداسةً في العالم
هي ركن أساسي من أركان الحضارة الفلسطينية، تتميّز بزخرفتها الجميلة، ونقوشها، ورخامها الملون، وصُوَرها التي تُزيّن جدرانها. ورغم كلِّ ما عصف بها، فإنّها بوجه المواجهات صمدت وأمام طغيان المحتل ما ركعت، إنّها كنيسة المهد أشهر الأماكن المقدّسة، ومعلَم من معالم هُويتنا الفلسطينية الأصيلة، حتّى ندر أن تجد فلسطينيًّا لسان حاله لا يقول: "أحلمُ بأن أطأ عتبات المسجد الأقصى وكنيسة المهد".

تقرير: فاطمة المجذوب