كلُّ دول العالم بلا استثناء تتابع بدقة وبعمق ما يجري في الولايات المتحدة الأميركية، فهي الدولة الأكبر، ذات الولايات الخمسين التي بعضها يعتبر حجمها الاقتصادي أكبر من دول كبيرة في العالم، ولكن في إسرائيل التي تعتبر الولاية الواحدة والخمسين، يتابعون ما يجري باهتمام أكبر وبعمق أكبر، لأنّ ما يجري هناك سلمًا أو حربًا، هدوءًا أو اضطرابًا، يؤثّر وجوديًّا على إسرائيل التي قد يكون وعد بلفور البريطاني المشؤوم قد أسس لوجودها، ولكن الذي تبني هذا الوجه وبشكل مطلق هو أميركا، والذي حافظ على هذا الوجود، ولعب كل الأدوار لشرعنته هي أميركا، والذي يبتدع سياسات عدوانية صادمة لمد الوجود الإسرائيلي بكل أشكال القوة المنفلتة هي أميركا.
أميركا في هذه الأيام، في نهايات الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب تغرق في أحداث عاصفة، في علاقات دولية غير مستقرة، وفي حالة من التصادم الحاد مع المجالات الحيوية للآخرين سواء كانوا دولا كبرى، أو شعوبًا وأُممًا لها قضايا محورية مقدسة مثل القضية الفلسطينية بشعبها وقيادته وامته العربية الإسلامية، وفي الفكاك النهائي من وحدانية القطب الدولي الذي يأخذ قرارات السلم والحرب نيابة عن الآخرين، والذي تورط فيه دونالد ترامب، سمسار العقارات الذي وصل إلى رئاسة أميركا لأسباب تثير كثيرا من الجدل، هذا الجدل تصاعد كثيرا حول صفقة القرن التي طال وجودها في الرحم الأميركي دون ولادة، طال الزمن وهي عالقة، وهناك الكثيرون يؤمنون أنّها ماتت فعلا، وقرينتها ورشة البحرين التي ماتت بالضربة القاضية في الجولة الأولى، وتعويضا للهيبة المفقودة، فقد شن دونالد ترامب حروبا كثيرة مع دول متعددة تحت عنوان الحروب التجارية، وحروب التفرد بالقرار، فقد انسحب من الاتفاق النووي الإيراني، وزج بنفسه بدون تحضير كافٍ للسيطرة على امن الخليج الذي تدفق منه طاقة النفط التي تحرك مصانع العالم ولم يأخذ بالحسبان الكافي عمق هذه القضية لدى شعبها وقيادته على رأسه، وهذه الأجواء نقلت الاضطراب الى داخل أميركا نفسها، حيث اعلن دونالد ترامب حربًا على المهاجرين، وانبثق منها حرب مجنونة ضد الإثنيات الأميركية غير البيضاء، حيث وصل المر إلى الحادثين المروعين اللذين وقعا في مدة ثلاثة عشر يوما فقط في الباسو في تكساس، وفي دايتون في اهايو، ونتج عنهما قتل اثنين وعشرين أميركيا في اقل من ثلاثين ثانية، وتسعة قتلى في اقل من اربع وعشرين ثانية، فانطلقت عاصفة شديدة من الإدانات والانتقادات والاتهامات ضد دونالد ترامب، بأنه هو الذي شجع العنف المبالغ فيه، العنف الأبيض، وهو الذي تبناه، وشجعه، وشرعن سلوكياته الشاذة، ووصل به إلى مستوى الإرهاب الداخلي.
إسرائيل ترامب، إسرائيل نتنياهو تتابع أدق التفاصيل وإلى أين وصلت الإنذارات لسفينة ترامب الغارقة، وهل جاء الوقت لكي تقفز الفئران من السفينة الغارقة؟ وهل يكون نتنياهو أول من أعطاهم ترامب من جيب غيره بلا حدود اول القافزين من السفينة، يجب ان نتابع بكل قدرة واهتمام وقراءة معمقة، لم يعد الخوف مهربا إلى النجاة، لم يعد التطبيع المجاني طريقا للسلامة، لم تعد العلاقات مع إسرائيل نوعا من الشطارة بل هي قمة الغباء والعار والهمالة، اقرأوا الصورة بعمق، إنها فلسطين تهديكم إلى القيامة كلما رضختم للموت.