لا أحدَ مثلَ إسرائيلَ يدركُ أهميّةَ العلاقةِ بينَ فلسطينَ وعُمقِها العربيّ، وقدْ دأبتْ حكوماتُ الاحتلال الاستيطاني المتعاقبةُ على بذلِ المساعي لعزْل الشعبِ الفلسطينيّ عن محيطِهِ العربيّ جغرافيّاً وسياسياً، بهدفِ الاستفرادِ بفلسطينَ أرضاً وشعباً ومقدّساتٍ. وتركّزُ الدعايةُ الإسرائيليةُ مؤخّراً على العزفِ على نغمةِ تحقيقِ "السلامِ والرخاءِ" في المنطقةِ والإيحاءِ بأنَّ فلسطينَ وشعبَها وقيادتَها هي التي تعيقُ تحقيقَ ذلكَ، وبالتّالي على العربِ الالتفات إلى مصالِحهِم التي يضمَنُها تعاوُنُهم وتطبيعُهم للعلاقاتِ مع دولةِ الاحتلال والاستيطان في فلسطين.
يشهدُ هذا التخريبُ الإسرائيليُّ المُمنهَجُ تصاعداً ملحوظاً في الآونةِ الأخيرةِ يترافقُ مع محاولاتِ تمريرِ الخطّة الإسرائيلية-الأمريكيةِ المسمّاةِ زوراً بصفقةِ القرن، وتستغلُّ الدعايةُ الإسرائيليةُ التخريبيّةُ منصّاتِ التواصلِ الاجتماعي وجيوشَ المستَعْرِبينَ الإلكترونيين لبثّ سمومِ التفرقةِ والفتنةِ بين الشعبِ الفلسطينيّ والشعوبِ العربيةِ، وذلكَ عبرَ التركيزِ على قضايا جانبيةٍ صغيرةٍ والنفخِ فيها لتجعلَ منها "أمَّ القضايا" ونقطةَ الاستقطاب الرئيسيةَ على مستوى الأمة.
لا نستغرِبُ منْ إصرارِ إسرائيلَ على تخريبِ علاقاتِنا بالشعوبِ العربيةِ وبالدّولِ العربيةِ المحوريةِ، وفي مقدّمتها المملكةُ العربيّةُ السعوديةُ ومصرُ بما تمثّلانهِ منْ ثِقلٍ ضروريٍّ  لدعمِ الموقفِ الفلسطينيّ، وبسببِ كونِهما، وعلى الرغمِ من التحدياتِ التي تواجهُ كلّاً منهُما على حِدَة- أساسَ الموقفِ العربيّ الموحّد. منْ هنا أيضاً يأتي إصرارُ القيادةِ الفلسطينيّةِ الدائمِ على التركيزِ على أهميّةِ ومحوريّةِ هذهِ العلاقاتِ وتأكيدُها على استمرارِ التشاورِ والتنسيقِ مع الدّولِ العربيةِ الشقيقة وعدمِ الانجرار وراءَ الصورةِ المظلِمةِ التي تحاولُ إسرائيلُ ترسيخَها عبرَ حملةٍ متواصلةٍ من الشائعاتِ التي تخرجُ علينا بينَ الحينِ والآخر، والتي لا تعدو كونَها أمنيةً إسرائيليةً صعبةَ المنال.
التناقضُ الأساسيُّ الذي يجبُ حشدُ الجهودِ والطاقاتِ في سبيلِ التصدّي له هو تناقضُنا مع الاحتلال الاستيطاني الإسرائيليّ لوطنِنا فلسطين والسياسةِ الأمريكيةِ الداعمةِ له، وكلُّ ما دونَ ذلكَ فهي قضايا ثانويّةٌ لن تلهينا عن مواصلةِ النضالِ حتى نحقّقَ أهدافَنا الوطنيةِ كاملةً دونَ نقصان.