في الثامن من تموز الحالي  التأَمَ شمل عصابة تطلق على نفسها اسمًا وعنوانًا متناقضًا مع قيم وروح وتعاليم السيد المسيح، عليه السلام، لا يمتُّ بصِلة للديانة المسيحية السمحة، وهي المنظّمة التبشيرية العنصرية المتطرّفة "مسيحيون مُتَّحدون من أجل (إسرائيل)"، في مؤتمرها السنوي، في العاصمة الأميركية، في مركز المؤتمرات بالقرب من البيت الأبيض، الذي تتربّع فيه مجموعة أفنجيليكانية يتزعّمها الرئيس دونالد ترامب، وشارك 5000 عضو من اتباع المنظمة العصابة فيه. كما تنصّب على منصّة المؤتمر الخمسة الكبار من الإدارة، وهم: نائب الرئيس مايك بنس، وزير الخارجية جورج بومبيو، مستشار الأمن القومي جون بولتون، مستشار الرئيس جيسون غرينبلات، السفير الأميركي ديفيد فريدمان القائد الفعلي للمستعمرين الصهاينة، أو فريق الإدارة المندمج والمنصهر مع المشروع الصهيوني بشكل كامل.
حملت خطابات ممثِّلي الإدارة الأميركية مواقف عدائية ضد الشعب الفلسطيني وقيادته وفصائله وأهدافه السياسية. وصبَّت الزيت على نيران حملات التحريض المجنونة من قِبَل أركان الإدارة على الحقوق والمصالح والأهداف الفلسطينية، وأيضًا على عملية السلام، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وتماهت مواقفهم مع روح الحرب والجريمة المنظمة، والإرهاب الدولاني الإسرائيلي، وتنكَّروا للحقائق الدامغة، عندما قلبوا المواقف بتحميلهم القيادة الفلسطينية المسؤولية عن "تعطيل عملية السلام"، و"نتيجة عدم عودتها لطاولة المفاوضات"، وبرّأوا ساحة دولة الاستعمار الإسرائيلية وحكومتها المارقة والخارجة على القانون، وهذه الأكاذيب لم أعد بحاجة لدحضها، وتبيان إفلاسها، وبؤس مآلها، لأنَّني عرضت لها خلال اليومين الماضيين.
ولم يكتفِ قادة إدارة ترامب في مؤتمر المنظمة المتطرفة "مسيحيون متحدون من أجل (إسرائيل)" بما تقدّم، بل إنَّهم تمادوا في فجورهم، عندما أعلنوا جميعًا مقولة تعتبر لعنة عليهم، وعلى الإدارة الأميركية، وعلى مستقبل السلام في المنطقة، مفادها: "إنّ معاداة الصهيونية، هي معاداة السامية"، وهذه المقولة خطيرة، ولا تستقيم مع أُسُس أي عملية سلام، لأنَّ الصهيونية نفسها، هي معادية للسامية، ولا يوجد أي قاسم مشترك بينها وبين السامية، بل إنّها حركة رجعية وعنصرية ونقيضة للسلام، أم يجب أن نُذكِّر أركان الإدارة بقرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة رجعية. وبالتالي الربط بين الصهيونية والسامية، هو ربط مجحف، ويعكس عقم وبؤس الرؤية السياسية والأخلاقية والثقافية عند ممثّلي الإدارة الحاكمة في واشنطن.
ولم يتوقَّف الأمر عند حدود ما ذكر، فإنَّ مايك بنس، قال في خطابه ما يعكس صلف السياسة الأميركية، وسحق أي تمايز نسبي بينها وبين دولة الاستعمار الإسرائيلي، وأعلن بصراحة عن الاندماج والانصهار الأفنجيليكاني الصهيوني، عندما قال: "إنَّنا نقف مع (إسرائيل) لأنَّ قضيتها وقيمها، هي قيمنا، ومعركتها، هي معركتنا، ونقف مع (إسرائيل)، لأنَّنا نقف مع الصحيح ضد الخطأ، ومع الخير ضد الشر، ومع الحرية ضد الطغاة". ماذا بقي بعد كل ما تقدَّم من تمايز بين إدارة الأفنجيليكان المريضة بالأساطير والخرافة وعصابة الصهاينة المغتصبين للأرض الفلسطينية؟ هل هناك طغاة في الأرض أكثر من دولة مارقة ومستعمرة، تقوم على رواية مزورة وكاذبة، تستبيح حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني؟ وهل يوجد طغاة في المعمورة البشرية أكثر من إدارة أميركية مسكونة بالشر، والغطرسة والعنصرية والإرهاب المنظَّم، هي إدارة ترامب وبنس وبومبيو وفريدمان وغرينبلات وكوشنير؟ وعن أيّة حرية يتحدث بنس المهووس؟ وما هي قضية وقِيَم (إسرائيل)، غير قِيَم النهب واللصوصية والاستعمار وتزوير الحقائق والتاريخ وتعاليم الدنيا والدين، وتعميم الأساطير المؤسطرة والتافهة، التي لا تنتج إلا وعيًا مشوّهًا، وكاذبًا، ومشعوذًا؟
مؤتمر منظمة "مسيحيون مُتّحدون من أجل (إسرائيل)"، هو مؤتمر من أجل الحرب والفتنة والإرهاب، وعلى العالم كله، أن يستيقظ من سباته، وأن يعيد الاعتبار للقيم الأممية، ولركائز عملية السلام والحرية والعدالة النسبية، لأنّ إدارة ترامب استباحت أميركا والشعب الأميركي قبل أن تستبيح مصالح وحقوق الفلسطينيين والعرب وشعوب الأرض، لذا على الجميع وأولهم الدولة العميقة في الولايات المتحدة الدفاع عن أنفسهم، قبل أن يُدافع عن الشعب الفلسطيني والسلام في أرض السلام وأرض السيد المسيح، عليه السلام، ومسرى الرسول العربي الكريم محمد بن عبد الله، صلّى الله عليه وسلم، فهل تستيقظ البشرية من غفوتها، وتكف عن سياسة إغماض العين عمَّا يجري من تحوّلات خرافية وهلوسات إدارة تُؤجِّج نزعات الحرب والفوضى في العالم؟؟؟