ليلة السادس عشر من شهر نيسان العام 1988، نفَّذ الموساد الاسرائيلي عملية اغتيال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" القائد أبو جهاد الوزير، حيث تمَّ التنفيذ بقرار من المجلس الاسرائيلي الوزاري المصغَّر وهو أعلى مستوى أمني إسرائيلي .

إنَّ اتخاذ هذا القرار الإجرامي بقتل خليل الوزير وتصفيته جسدياً داخل بيته في تونس العاصمة، وإعداد العدة العسكرية ومجموعات الموساد التنفيذية والطائرات الحربية والسفن وأجهزة الاتصال وتأمين المستشفى المتحرك في إحدى السفن، جاء بعد مرحلة طويلة من رصد تحركات أبو جهاد الوزير، وبشكل متواصل لتحديد لحظة الاغتيال والتخلُّص منه، نظراً للدور القيادي الذي كان يمارسه إلى جانب قائد الثورة ومسيرتها الوطنية الرمز ياسر عرفات.

كان العدو الصهيوني يراقب منزله في تونس العاصمة ليحدد وقت حضوره إلى أسرته، حيث أنه كان يحضر كلَّ عدة أشهر، واقتحمت مجموعة الموساد المكلفة بالتنفيذ البيت واستطاعت أن تفجِّر مدخل المنزل بمتفجرات خاصة وأطلقت النار على مرافقه وعلى وحارس المنزل، ثم استطاعت أن تصل إلى مدخل الشقة واقتحمتها باستخدام المواد المتفجرة ذاتها وأطلقت عليه النار بكثافة، حاول أن يدافع عن نفسه لكنه لم يتمكن واستسلم لإرادة رب العالمين .

لا شك أن استهداف خليل الوزير كان الهدف الأول منه إضعاف قائد الثورة الرمز ياسر عرفات الذي كان منذ بداية الثورة والكفاح المسلح على لائحة الاغتيال يومياً، ولا ننسى الدور المميَّز للشهيد أبو جهاد وخبرته الثورية والعسكرية والسياسية التي جعلته في دائرة صناعة القرار الحركي والفلسطيني .

أمَّا الهدف الثاني من استهدافه واغتياله وحشد كلِّ هذه الامكانية لإنجاح العملية، فهو القضاء على العقل الثوري الناضج عسكرياً، والمجرِّب سياسياً، فهو الذي أشعل الانتفاضة الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وصنع بنيتها التحتية وشكَّل قيادتها الميدانية ورسم آليات عملها وحدد الأدوات المطلوبة لمواجهة جنود الاحتلال، كما استطاع وبالحوار الوطني الداخلي من تشكيل اللِّجان على اختلافها السياسية، والأمنية، والإعلامية، والاجتماعية، والصحية، والتربوية، والقضائية وغيرها.

وقد قام بنفسه بدور متابعة كل تفاصيل العمل اليومي للانتفاضة وتأمين الاحتياجات المطلوبة وحلِّ كافة الإشكاليات القائمة على أرضية الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار قيادة "م.ت.ف" وتحت اسم القيادة الوطنية الموحدة. وخليل الوزير هو الذي كان يستقبل الرسائل من قيادات الداخل، وكان لا يبخل بالردود اليومية على كل الأسئلة ليحافظ على شعلة الانتفاضة مشتعلة وأن لا تنطفئ جذوتها .

القائد خليل الوزير استُشهد بعد مرور خمسة أشهر من عمر الانتفاضة التي تواصلت لغاية 1993، وهذا دليل على أن الركائز التي وضعها الشهيد أبو جهاد والعلاقات التي بناها بين جميع الفصائل والشرائح والمكونات الاجتماعية الفصائلية وأيضاً المكونات الدينية على اختلافها حيث كان الجميع في خندق واحد هي التي أسهمت في نجاح الانتفاضة والتفاف الرأي العام الدولي حولها ضد الارهاب الإسرائيلي .

ثالثاً: إنَّ العامل الجوهري في تعمُّد اغتيال الشهيد أبو جهاد كان هو القدرة والكفاءة والخبرة العسكرية والتقنية التي امتلكها وهذا الأمر كان بارزاً من خلال العمليات العسكرية المؤثرة والتي أرعبت وهزَّت أركان العدو وجيشه وقيادته التي اعتادت على ارتكاب المجازر والجرائم .

ومن هذه العمليات نذكر: عملية فندق ساڤوي في 1975/3/6، وكذلك عملية الشهيد كمال عدوان وبطلتها دلال المغربي في 1978/3/11، وعملية ديمونا في 1988/3/8، وهي العملية الأخطر على الاحتلال وأمنه وأسلحته الإستراتيجية حيث وصل المقاتلون الثلاثة إلى جوار المفاعل النووي الإسرائيلي وهاجموا الباص الاسرائيلي الذي كان يقلُّ عدداً كبيراً من المهندسين والفنيين الذريين ووقع العديد من القتلى والجرحى .

رابعاً: إنَّ استهداف الشهيد أبو جهاد مَرَدُّه أيضاً إلى القدرة والديناميكية السياسية والتعبوية التي تميَّز بها في بناء العلاقات الثورية مع حركات التحرر العالمية على اختلافها، والتي أسهمت بشكل فاعل ومؤثر بتحقيق الانتصارات الوطنية السياسية والدبلوماسية .

إن الشهيد أبو جهاد شكَّل من خلال مسيرته مدرسةً كفاحية وقتالية تؤمن بمواجهة العدو الإسرائيلي وتخرَّج فيها الآلاف من المقاتلين والشهداء .

ومدرسة الشهيد أبو جهاد هي مدرسة الابداع والإصرار فهو الذي اختار الحجر عنواناً للانتفاضة، واستطاع الحجر أن يقهر الجنود المدججين بالسلاح، واستطاعت الجماهيرُ بكل شرائحها الشعبية أن تهزم جنود الاحتلال، وأن يبقى العلم الفلسطيني مرفوعاً ومرفرفاً فوق الأسوار والمآذن والميادين والتلال .

إن الانتفاضة الأولى ومن خلال وحدتها الوطنية ومقاومتها الشعبية وانخراط مختلف الشرائح في حراكها فرض نصراً سياسياً على المستوى الدولي، عكس تأثيراته ونتائجه على قرارات مؤتمر مدريد وعلى حواراته وهذا ما عزَّز دور "م.ت.ف" التي فرضت على المجتمع الدولي أن يخضع لهذه الاعتبارات بعد أن حاول العديد من الأطراف المشارِكة في المفاوضات يومها استبعاد الجانب الفلسطيني .

ونحن نتحدث اليوم عن عملية اغتيال الشهيد خليل الوزير، وعن نجاح الانتفاضة الأولى التي أسَّسها، فإننا في حركة "فتح" نؤكد لشعبنا الفلسطيني بأنَّ كافة القرارات الجائرة والعدوانية التي اتخذها ترامب ونتنياهو لن تغيرِّ قناعاتنا وإيمانَنا المطلق بثوابتنا الفلسطينية وبحقوقنا الوطنية التي أقرتها الشرعية الدولية وخاصة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على الأراضي المحتلة العام 1967، وتمسكنا بحقنا في العودة إلى أرضنا التي شرِّدنا منها استناداً إلى قرار 194 ورفض كل أشكال الاستيطان والاستعمار المقامة على أرضنا .

وليعلم القاصي والداني بأنَّ كفاح شعبنا المتواصل منذ العام 1965 لن يتوقف رغم الصعوبات والتعقيدات، فشعبنا أكبر من المؤامرة والثورة ستبقى مستمرة ومتجددة مهما تغيرت الظروف، فنحن أصحاب الحق والعالم لا بد أن يغيِّر موقفه، ونحن نسعى كحركة "فتح" من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية حتى نكون أقوى وحتى يحترمنا العالم ويقف إلى جانبنا في صراعنا من أجل تحقيق حقوقنا العادلة، ومن أجل فك قيود أسرانا المعتقلين في الزنازين والمعذَّبين تحت وطأة القهر والجلَّاد.

إننا وفي ذكرى استشهاد القائد أبو جهاد الوزير نؤكد تأييدنا والتفافنا حول الرئيس أبو مازن الذي يسير على خطى ياسر عرفات وأبو جهاد الوزير، وهو الذي يرفض علناً اليوم صفقة ترامب الصهيونية بكل تفاصيلها رغم كل الضغوطات القائمة على قيادة "م.ت.ف" وعلى شعبنا الفلسطيني، وهو الذي يصر على سيادة شعبنا الكاملة على أرضه المحتلة، ويؤكد أننا لن نرضى بدولة دون قطاع غزة، وأننا لن نرضى بدولة في قطاع غزة، لأن فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية مؤامرة صهيونية لتسهيل تمرير صفقة القرن .

وإننا في هذه المناسبة الوطنية نبارك لشعبنا تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور محمد اشتية، ونأمل من كافة القوى الالتفاف حولها، والتعاون من أجل إقامة مجتمع متضامن مقاوم للاحتلال على طريق الحرية والاستقلال .

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والحرية لأسرانا البواسل، والشفاء العاجل للجرحى.

وإنها لثورة حتى النصر

قيادة حركة "فتح" – إعلام الساحة اللبنانية

2019/4/16