تواصل الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب التمادي في عدوانها على حقوق الشعب الفلسطيني، ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقات والمواثيق والأعراف الدولية والقانون الدولي، من خلال دعمها اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي، وتبني مواقفه العدائية ودعمها والتلويح بإجراءات جديدة من شأنها القضاء نهائيا على حل الدولتين.
حكومة الاحتلال الإسرائيلي تؤدي دورا وظيفيا بدعم أميركي لضمان السيطرة على المنطقة تدريجيا، وهذا ما دفعها لمواقف وإجراءات ما كان لها أن تكون لولا الموقف الأميركي المنحاز لها بالكامل، ما جعل الولايات المتحدة جزءا من المشكلة وليس الحل.
ما يتم تسريبه من أخبار ووثائق حول صفقة القرن، جميعها تصب في إنهاء القضية الفلسطينية وليس إنهاء الاحتلال، ما أثار ردودا رافضة، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة للمنطقة والعالم إذا استمر هذا الاستخفاف بالقانون الدولي والتعامل مع دول العالم وكأنها أراض أميركية.
معالم ما تسمى ب"صفقة القرن"، التي ستطرحها الإدارة الأميركية كخطة للسلام في الشرق الأوسط، باتت واضحة أكثر من أي وقت مضى، بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن "من يعتقد أنه سيكون هناك دولة فلسطينية تغلّف إسرائيل من الاتّجاهين فإننا نبلغه أنّ هذا الأمر لن يحدث"، مضيفاً بأن "هناك ثلاثة مبادئ، هي عدم اقتلاع أيّ مستوطن ولا أيّ مستوطنة، وإبقاء السيطرة في يد الإسرائيليين على كلّ منطقة غرب الأردن أي أن البقاء هناك دائم، وعدم تقسيم القدس".
هذه المؤامرة الأميركية-الإسرائيلية، بدأت تطبق خطوة تلو الأخرى بإعلان نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وقطع المساعدات الأميركية للأونروا في محاولة لشطب قضية اللاجئين، وفرض حصار اقتصادي ومالي على القيادة الفلسطينية الشرعية، والعمل على تعزيز فرص فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية بالتعاون مع جهات فلسطينية وإقليمية، وصولاً إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة.
وجاءت تصريحات نتنياهو، الذي يستعد لخوض الانتخابات والوصول إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية لدورة خامسة، لتكشف عن الصورة الكاملة لهذه المؤامرة. ويحاول نتنياهو، بفكره اليميني المتطرف، وبمساندة من الإدارة الأميركية، الذهاب إلى أبعد ما يمكن من سياسة فرض الأمر الواقع، مستغلاً الظروف السياسية المحيطة.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي، إن "نتنياهو ووعوده بضم الضفة الغربية وأجزاء كبيرة منها إذا ما تم انتخابه مجدداً، تؤكد أن هذه الأفكار كانت موجودة عند رئيس الوزراء الإسرائيلي، منذ فترة طويلة، فهو رئيس وزراء لأربع دورات ولم يتجرأ خلالها على القيام بهذه الخطوة، لكنه شعر الآن بأن هناك من يساند هذه الفكرة وهو الإدارة الأميركية".
وأضاف: "نتنياهو قال حصلنا على القدس عندما طالبناه (ترمب) بذلك، وحصلنا على الجولان عندما طالبناه بذلك، وبالتالي سنحصل على الضفة الغربية إذا ما طالبناه بذلك، ماذا سنخسر إذا ما طلبنا هذه القضية، وبالتالي نتنياهو يذهب بهذا الاتجاه، وجزء منه محاولة لكسب أصوات اليمين الإسرائيلي والناخب الإسرائيلي، ولكن من جهة ثانية هي مواقف سياسية موجودة ثابتة وراسخة في عقله وبذهنه منذ فترة طويلة".
وشدد المالكي على ضرورة تضافر جهود العالم، من أجل التصدي لسياسات الإدارة الأميركية، الداعمة لإسرائيل.
ويرى المراقبون أن دخول "صفقة القرن" حيز التنفيذ يعد المسمار الأخير في نعش "حل الدولتين"، وسيقلص فرص تحقيق السلام في الشرق الأوسط، الأمر الذي سينعكس على المنطقة ككل. وبالتالي، ستتجه الأنظار إلى "حل الدولة الواحدة" ثنائية القومية.
ولكن إسرائيل لا تريد لا "حل دولتين" ولا "حل دولة واحدة"، وكل الذي تريده هو استمرار الأمر الواقع، وفرض نظام الفصل العنصري "الابرتهايد" بوضع الفلسطينيين في "كانتونات" معزولة ضمن الهيمنة الإسرائيلية الشاملة على فلسطين التاريخية".
أمام هذه المؤامرة التي تستهدف الوجود الفلسطيني، فإن صمود شعبنا في كافة أماكن تواجده والتفافه حول القيادة الشرعية، قادر على إسقاط هذه المؤامرة الكبرى كما أسقط سابقاتها.
ويحظى مشروعنا الوطني، الذي تقوده منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، بدعم وتأييد من الأشقاء والأصدقاء في مختلف أنحاء العالم، ممن يؤمنون بالعدالة والقانون الدولي، ويرفضون "شريعة الغاب" التي تحاول الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية فرضها.
وتلعب الجاليات الفلسطينية والعربية في الولايات المتحدة الأميركية دوراً في حشد التأييد والدعم للقضية الفلسطينية العادلة، والدفاع عن حقوق أبناء شعبنا ومساعيهم للحرية وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
وقال حنا حنانيا، أحد قيادات الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة، إن "المكتوب مقروء من عنوانه"، فصفقة القرن قد بدأ تطبيقها أو محاولة تمريرها عبر فرض الأمر الواقع، ولم يعد سراً أن الرئيس الأميركي سوف يذهب لأبعد الحدود في دعمه للحكومة الإسرائيلية اليمينية، مشيراً إلى أن "صفقة القرن" تهدف إلى تحويل القضية الفلسطينية من قضية شعب وأرض وكرامة وحقوق إلى قضية إنسانية.
وأكد حنانيا : " بأن المطلوب الآن هو الوحدة والالتفاف خلف منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، والعمل على إنهاء الانقسام، داعياً إلى تفعيل العمل السياسي من الجاليات الفلسطينية في جميع دول العالم وخاصة في الولايات المتحدة من أجل التأثير على صنّاع القرار، بالإضافة إلى ضرورة صياغة خطط إستراتيجية بالتعاون مع مؤسسات البحوث والتخطيط لمواجهة التحديات التي تحيط بقضيتنا الفلسطينية.
وشدد على أهمية التكافل بين أبناء شعبنا في كافة أماكن تواجده، لتعزيز الصمود في وجه الحرب الاقتصادية التي تشن ضدنا في محاولة لابتزازنا سياسياً وفرض الإملاءات علينا.
من جهته، قال الدبلوماسي الأميركي السابق هادي عمرو (من أصول لبنانية)، أن تنفيذ "صفقة القرن" بدأ بالإعلان عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ثم إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقطع المساعدات الأميركية عن لفلسطينيين وعن وكالة الأونروا التي تعمل في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
وأضاف: "المرحلة الأخيرة من خطة سلام ترمب كانت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان كهدية لحملة نتنياهو الانتخابية، والحديث عن اعتراف محتمل للولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على عدد من المستوطنات في الضفة الغربية، إن لم تكن كلها".
ويرى عمرو، الذي عمل نائبًا لمبعوث الولايات المتحدة الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية خلال إدارة أوباما، أن "خطة السلام الأميركية تقضي على حل الدولتين، وتفتح الطريق أمام حل الدولة الواحدة ثنائية القومية".
ودعا عمرو الفلسطينيين إلى تطوير نهج استراتيجي للرد على الإدارة الأميركية والعمل الجاد والصمود والتوحّد لتحقيق أهدافهم الوطنية والدفاع عن حقوقهم الشرعية.
بدوره، أكد أيمن الدرويش، أحد قيادات الجالية المصرية في الولايات المتحدة، على ضرورة انخراط الأميركيين العرب في تحالفات للعمل والتأثير داخل المجتمع الأميركي، وصولاً للتأثير على صنع القرار، إلى جانب تنظيم زيارات إلى فلسطين للاطلاع عن كثب على الواقع الصعب الذي يعيشونه، ونقل الصورة الحقيقية للمجتمع الأميركي، بالإضافة إلى مراقبة المناهج الدراسية كي لا تشوه التاريخ والحقائق.
وأشار الدرويش إلى أن الأمريكيين العرب يعملون على حشد التأييد للفلسطينيين في مساعيهم للوصول إلى حل عادل وشامل لقضيتهم، وتعزيز صمودهم في وجه أي صفقات تهدف إلى تقويض حقوقهم المشروعة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها