(مجزرة المسجد الابراهيمي محطة مؤلمة وبارزة في الصراع الفلسطيني الصهيوني)

يا جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل وفي الشتات....

يا من كتبتم تاريخكم المجيد والمشرِّف بدمائكم التي نزفت في كل ميادين المواجهة، يا من صبرتم وتحمَّلتم مشاهدة أطفالكم، ونسائكم، وشيوخكم، عندما كانت سكاكين الحقد والعنصرية والارهاب الدموي تنحرُ أعناقهم، وتمزِّق أجسادهم، وأيضاً عندما كان رصاص العصابات الصهيونية المحشو بالكراهية لكل لأبناء البشرية، يستهدفُ ليس فقط المقاتلين، ولكنه استهدف المدنيين في بيوتهم، والمصلين في مساجدهم وهم يركعون ويسجدون لله. نعم إنهم الصهاينة الذين يتعاطون مع باقي البشر على أنهم مطية ودُمى تعبثُ بنادقُهم وسيوفهم وخناجرهم الغادرة بأجسادهم، وأرواحهم غير آبهين بما يترتب على مثل هذه المجازر من مآسٍ، وتداعيات خطيرة على المستوى الانساني، والبشري، والامن الاجتماعي، وتسميم عقول تجار الحروب وشحنها بمزيد من الكراهية والأحقاد، لقتل كل بذور السلام والتعايش، والأمن، وبناء الحضارات.

يا جماهير شعبنا المجاهد والمكافح في كل ساحات المواجهة...

في 25/2/1994، ارتكبت الحركة الصهيونية مجزرة جديدة أقضَّت مضاجعَ العالم كله وليس فقط الفلسطينيين، وذلك عندمت أقدم المستوطن الصهيوني الحاقد بل الممتلئ بالعنصرية والحقد على كل البشرية، وهو الارهابي باروخ غولدشتاين الذي أقدم على تنفيذ مجزرة ضَّجت منها السماء عندما قام، وبعد تخطيط مسبق وأَخْذِ كافة الاحتياطات والترتيبات بالوصول إلى باب مسجد خليل الرحمن، وهو متسلِّحٌ بالبندقية والذخائر، والآلات الحادة، وانتظر المصلين إلى أن ركعوا وبدأوا السجود، وأطلق الرصاص على رؤوس، وأعناق، وظهور المصلين، وهذا ما أدى يومها إلى استشهاد أربعة وعشرين مصلياً، وجرح المئات من المسلمين الراكعين والساجدين لله تعالى، هناك في مسجد خليل الرحمن، وسالت الدماء غزيرة لتصل إلى قبور الانبياء عند الغار الشريف وهناك قبور سيدنا ابراهيم الخليل أبو الانبياء وأبنائه اسحق، واسماعيل، ويوسف، وسيدتنا سارة، ورفقة زوجات الانبياء حيث يقوم المسجد فوق قبورهم المقدسة عند المسلمين.

لقد فجَّرت هذه المجزرة الصهيونية الصراع في المسجد، وخارجه في مختلف انحاء الخليل، وباقي المدن والمحافظات الفلسطينية، واشتبك الأهالي مع جنود الاحتلال الذين احتشدوا لحماية المجرم الصهيوني غولدشتاين، وكانت الاشتباكات ساخنة وواسعة، وفي ظل غضب عارم وادت إلى مقتل ثمانية ضباط صهاينة إضافة إلى العديد من المستوطنين، وكان يوماً مشهوداً وشاهداً على أن الخطر الصهيوني لا يستهدف فقط الفلسطينيين، وانما يستهدفَ كلَّ من هو عربي ومسلم ومسيحيى، فالصهاينة منذ نشأوا وهم يستهدفون وجودنا جميعاً من خلال المؤامرات المتتالية.

يا جماهير شعبنا المجاهد والمكافح ....

ونحن نحيي هذه الذكرى الأليمة، فإننا نؤكد للجميع بأن شعبنا الفلسطيني قد امتلك عبر التجربة الوطنية والتحررية القدرة والمنعة لمواجهة كل التحديات، وامتلاك الوعي والحصانة لمواصلة المسيرة التي هي مسيرة التضحيات، وقوافل الشهداء، والأسرى الأبطال، والجرحى والمعوَّقين الذين كتبوا بآلامهم وعذاباتهم هذا التاريخ المشرِّف لشعبٍ اختاره الله سبحانه ليكون الشعبَ المرابط والمجاهد على أرض الرباط والمقدسات.

ونحن نحيي هذه الذكرى الأليمة فإننا نوكد مجموعةً من القضايا البارزة:

أولاً: إنَّ الكيان الصهيوني الذي بنى نفسه وسرق أرضنا ليقيم له كياناً مغتصِباً لأرضنا العربية والاسلامية، لن يدوم لأنَّ ما قام على الارهاب، والقتل والاجرام، والظلم والاستيطان لا يستطيع الحياة والاستمرار. والحق لا بد أن يعود إلى أصحابه.

ثانياً: إن ما يرتكبه الاحتلال من مجازر منذ ما قبل النكبة واثناءها، وبعدها وحتى الآن لن يؤدى إلى اقتلاع شعبنا من أرضه، وانما المزيد من الاصرار، والتمسك بالارض والمقدسات.

ثالثاً: إنَّ إحدى أبرز وجوه التحدي المشرقة هي ما تشهده القدس وبواباتها، وباحاتها من عمليات تهويد وأسرلة، التي ووجهت من أهلنا في القدس بالارادة الوطنية، والقناعات الايمانية، إنما هو دليل واضح على تجِّذر شعبنا في أرضه، واصراره على طرد الاحتلال، وانَّ النصر قادم مهما كانت الازمات والصعوبات.

رابعاً: على العالم بأسره وخاصة الاسلامي والعربي أن يأخذ دوره بقوة الشرعية الدولية، والقوانين الدولية والانسانية والقانونية، وأن ينتصر العالم للشعب الفلسطيني الصامد والصابر، والقابض على الجمر في الخندق الامامي من خنادق الدفاع عن الحق، والعدالة، وحرية الشعوب، بوجه التحالف الاميركي الاسرائيلي الصهيوني الذي يقوده ترامب.

خامساً: إنَّ الاستمرار في رفض تطبيق ما أتفق عليه بشأن المصالحة خاصة في القاهرة إنما يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة الذي يستهدف القضية الفلسطينية بكل مكوناتها. وكافة المبررات المطروحة من بعض الاطراف مرفوضة لأنها لا تخدم فلسطين، وانما تخدم المشاريع الدولية، والاقليمية والمحلية التي همها الأكبر هو تدمير الأحلام والأهداف الاسلامية.

سادساً: إن حماية م.ت.ف، وتحصينها، والسعي الدائم كي تظل هي البيت الفلسطيني الوطني والتاريخي الذي نشأت الثورة في أحضانه، وهي التي تمكَّنت من شقِّ الطريق السياسي لفرض الحضور الوطني والثوري والجغرافي على أرض الوطن، وتأجيج الصراع على طريق النصر والحرية والاستقرار.

وواقع الحال يفرضُ علينا أليوم أن نصلِّب أوضاع م.ت.ف، وأن نفعِّل دوائرها، وأن نصون كرامتها الوطنية، وأن نحرص على رمزيتها الفلسطينية، وليس تشويه وجهها، والتشكيك في وجدانها، والبحث عن كل النقائص لنرميها بها، والبحث بالتالي عن إطار جديد وبديل عن م.ت.ف. ترضى عنه الأطراف الدولية والاقليمية، والمحلية يتناسب مع مبادئ صفقة القرن الصهيونية. انها الأمانة الوطنية التي تفرض علينا حفظ الأمانات والعهد والقسم.

إننا ومن موقع الحرص والمسؤولية ندعو كافة الاطراف الفلسطينية إلى حسم خياراتها الوطنية، والخروج من مربع التناقضات والخلافات، والتشكيك والتحريض إلى مربَّع الوحدة الوطنية، والمصالحة، وحماية الإنجازات السياسية، والاصرار على أن العدو الصهيوني هو العدو الأساس ومعه الصهيوني ترامب. وأن نرحم شعبنا بزرع الأمل بالنصر في قلبه.

التحية إلى أهلنا هناك في القدس وأقصاها، وصخرتها، ومصلى الرحمة، والخان الاحمر العصيِّ على الاحتلال. والتحية إلى أهلنا في الخليل، خليل الرحمن، وإلى مقاومتنا الشعبية في كل بقاع أرض الضفة الغربية، وأراضي الثمانية والاربعين.

والتحية إلى أهلنا الصامدين في مسيرات العودة في القطاع الصامد الذي قدَّم الشهداء والجرحى والتضحيات، من أجل أن يبقى قطاع غزة الساحة الوطنية والشاملة والتي هي جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية والمستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.

نوجه التحية إلى أهلنا في الشتات، وخاصة في مخيمات سورية، ولبنان، والاردن، وفي كل التجمعات.

ومن هنا من لبنان الثورة والمقاومة نوجِّه تحية الاكبار والاعتذار إلى الأخ الرئيس أبو مازن الذي يتحمل مسؤولياته الوطنية في مقارعة الاحتلال، وفي مواجهة المؤامرة التي يقودها ترامب وجوقته الصهيونية، والصمود على مواقفه وثوابته الوطنية، واصراره على تجسيد الوحدة الوطنية.

وندعو الجميع إلى الالتفاف حول سيادة الرئيس أبو مازن الثابت على ثوابت ياسر عرفات.

المجد والخلود إلى شهدائنا الابطال.

والحرية والعزةُ لأسرانا البواسل.

والشفاء لجرحانا المتمسكين بثورتهم المجيدة.

وانها لثورة حتى النصر

قيادة حركة فتح لبنان – الاعلام المركزي

25/2/2019