يا أبناء شعبنا الصامد في الداخل والشتات المتمسِّك بالحقوق الوطنية التاريخية والمشروعة.

أيّها الصابرون على قهر وظلم الاحتلال وجرائمه، في كلِّ ربوع الوطن، الذي أغرقته دماء نزف الجرحى والشهداء، وعذابات الأسرى في المعتقلات الصهيونية.

يصادف يوم 29-11-2018 يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي أعلنته الجمعية العمومية، إيمانًا منها بأنَّ آلة البطش والتدمير، والقتل، والظلم المتواصل من قبل الولايات المتحدة وربيبتها الدولة الصهيونية، قد استهدفت القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، وكيانه الوطني والسياسي، وأرضه المباركة، ومقدّساته الإسلامية والمسيحية.

جاء يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني وكفاحه الوطني عربون وفاء من المجتمع الدولي لشعبنا الذي دفع ثمن التآمر الاستعماري الصهيوني على وجوده، وعلى مستقبله.

إنَّ احتفال الجمعية العمومية بهذا اليوم هو تذكير لشعوب الأرض، بأنَّ هناك شعبًا فلسطينيًّا عربيًّا له جذوره التاريخية الضاربة والراسخة منذ خمسة آلاف سنة في هذا العالم، وبفعل التآمر الصهيوني عليه أصبح اليوم مُشَتّتًا في الخارج، ومُعذَّبًا في أرضه.

ولا بدَّ في مثل هذا اليوم أن نُذكِّر المجتمع الدولي والإسلامي والعربي، وشعبنا الفلسطيني بأنَّ مأساةَ شعبنا، والتآمر على وجودنا بدأ منذ مؤتمر بازل بقيادة ثيودور هرتسل، العام 1897، حيثُ وضعت الأُسس لإقامة الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية. ثُمَّ جاء وعد بلفور في 2-11-1917 ليضع القواعد السياسية، والبرنامج الميداني لاستقبال المهاجرين اليهود من أنحاء العالم، بترتيب وتنظيم من الحركة الصهيونية، وتدريبهم، وتعبئتهم بالحقد والكراهية، لأهل البلد الفلسطيني كما أنَّ الانتداب البريطاني، أخذ على عاتقه مسؤولية تثبيت ودعم الأسس، والركائز التي سيقومُ عليها الكيان الصهيوني، والإحلال مكان أهل البلد الأصليين، بعد اقتلاعهم، وتشريدهم، وارتكاب المجازر بحقّهم.

إنَّ قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، والذي تمَّ اعتماده دوليًّا في (29-11-1947)، والذي عُرف بالقرار (181)، جاء بعد محادثات توصَّلت إليها اللجنة الدولية المشكلة وهي لجنة أنجلو أميركية، والتي عملت لصالح الحركة الصهيونية، وفي الوقت نفسه رفضت فكرة استقلال فلسطين، وأكَّدت استمرار الهجرة اليهودية من الخارج إلى فلسطين، وطلبت إلغاء كافة القيود المفروضة على انتقال الأراضي إلى اليهود، وأوصت بأن تبقى فلسطين تحت سلطة الانتداب البريطاني حتى يُبَتَّ في أمر وضعها تحت وصاية الأمم المتحدة.

لقد تمَّ رفض هذه القرارات فلسطينيًّا وعربيًّا. وقام المستوطنون اليهود بتفجير الأوضاع في المناطق الفلسطينية. بريطانيا ظلَّت مصرّةً على موقفها بأن يستمر الانتداب خمس سنوات إضافية لترتيب الأوضاع، وتقسيم فلسطين إلى مناطق ذات حكم ذاتي يهودية وعربية.

خلال هذه الفترة كانت بريطانيا قد هيّأت الظروف لإقامة الدولة اليهودية.

عندما أبلغت بريطانيا الأمم المتحدة بأنَّها ترغب في إنهاء الانتداب على فلسطين بتاريخ 20-4-1947، قامت الأمم المتحدة بتشكيل لجنة لدراسة مستقبل هذه الأراضي وهي لجنة (UNSCOP)، وذلك بتاريخ 15-5-1947.

قامت الهيئة العربية العليا بمقاطعة هذه اللجنة، لأنَّها غير مخوَّلة ببحث استقلال فلسطين.

أقرَّت الجمعية العمومية التوصية التي قدَّمتها الأكثرية في 29-11-1947 بغالبية (33) دولة، مقابل (13) دولة، وامتناع (10) دول، وتغيُّب دولتين. وبذلك صدر القرار (181) وهو قرار تقسيم فلسطين التاريخية إلى قسمين.

الدولة العربية مساحتها (12269) وتُشكِّل (45،76%) من مجمل الأراضي الفلسطينية، ويقطنها حوالي (725) ألف عربي وحوالي عشرة آلاف يهودي.

أمَّا الدولة اليهودية فقُدِّرت مساحتها بـ(14400 كلم2) أي (52،28%) من مساحة فلسطين، ويقطنها (498) ألف يهودي و(407) ألف عربي.

الشعب الفلسطيني رفض قرار التقسيم لأنَّه يؤمن بأنَّ الأرضَ أرضُه، وبسبب هذا القرار الجائر الذي أدّى إلى مؤامرة النكبة وتهجيرنا، بدأ شعبنا مرحلة من العذاب واللجوء، وبدأت نواة العمل الوطني تنشط في الشتات، وفي الداخل الفلسطيني من أجل إعادة تنظيم الصندوق، ومعالجة الجراح، والانطلاق نحو مستقبل يُبشِّر باستعادة الحركة الوطنية الفلسطينية، وتصليب عودها، وإطلاقها في إطار برنامج سياسي فلسطيني وطني. ونجح المسار الوطني الفلسطيني في بلورة الهُويّة الوطنية، وإعادة رسم خارطة الوجود السياسي الفلسطيني على خارطة العالم، من خلال منظمة التحرير الفلسطينية الممثِّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهذا رافقه تصعيد واضح في المعارك السياسية والدبلوماسية، والقانونية على الصعيد الدولي، وعبر المؤسسات الشرعية الدولية. وكان هذا الجهد موازيًا للكفاح الوطني الفلسطيني الميداني، والتصدي للاحتلال الصهيوني، ولكلِّ أشكاله من العدوان اليومي الغاشم الذي ينفّذه الاحتلال ضد أهلنا سواءٌ أكان ذلك في الضفة الغربية، أم في قطاع غزّة، أم كان ذلك في مدينة القدس وأقصاها المبارك، وكنائسها، ومعالمها الدينية على اختلافها وخاصة مسجد خليل الرحمن الإبراهيمي.

وهنا نذكِّر ببعض النقاط الجوهرية والتي لا يمكن القفز عنها:

أولًا: لقد شكَّل الانقسام منذ العام 2007 نكسة وطنية سياسية على صعيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، وحال دون التوصُّل إلى توحيد الموقف في إطار "م.ت.ف" على طريق مواجهة الاحتلال الصهيوني.

ثانيًا: إنَّ مقاومة الاحتلال الحقيقية والفاعلة، تبدأ من تجسيد المصالحة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والإيمان الكلي بأنَّ المشروع الوطني الفلسطيني، والاستراتيجية المبنية على أساسه هي المخرج من الأزمات المدمِّرة المتحكّمة بواقعنا.

ثالثًا: أمام الخطر الوجودي على مصير الشعب الفلسطيني، ومخاطر صفقة ترامب التي بدأ تطبيقها على الأرض، لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وتعميم الاستيطان، والتهويد، والأسرلة في كافة الأراضي الفلسطينية، انسجامًا مع قرار القومية اليهودية العنصري وتطبيقه في أرضنا التاريخية.

رابعًا: علينا أن نتذكّر وبوعي كامل أنَّ فصل القطاع عن الضفة الذي يريده الاحتلال الصهيوني، يُشكِّل طعنةً مسمومة لمشروعنا الوطني، وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

خامسًا: إنَّ الأطراف الدولية المؤيدة، والمناصرة لنضالنا الوطني، تنتظر منا جميعًا موقفًا صادقًا على مستوى القضية الفلسطينية، وعلى مستوى تضحيات شعبنا، وشهدائنا، وأسرانا، وجرحانا، فلماذا لا يكون قرارنا فلسطينيًّا مستقلًّا.

سادسًا: رغم كل الظروف والأزمات الحادة المحيطة بأراضينا المحتلة، إلاَّ أنَّ ثقتنا بشعبنا وقيادتنا وأنفسنا كبيرة بأنَّنا سنواصل معركة الدفاع عن الأرض والمقدسات، وسنتحدى الاحتلال وجنوده ومستوطنيه، مهما كانت التضحيات، ونحن سنبقى متمسّكين بالعهد والقسم الذي ردَّدناه مع الزعيم ياسر عرفات، ومع قائد المسيرة الوطنية الرئيس محمود عبّاس وسنواصل المسيرة، والتاريخ يشهد لنا منذ الانطلاقة وحتى الآن.

إنَّ قضية اللاجئين الفلسطينيين هي من أهم وأخطر القضايا، التي يحاول العدو تصفيتها، وإنهاء مؤسسة "الأونروا" الشاهد الحي على جريمة النكبة، وذلك من أجل تضييع حقوق اللاجئين، واستبدال حق العودة إلى الأرض الفلسطينية استنادًا إلى القرار 194، بحلول إنسانية كالتوطين، وتقديم المال، والإغاثة وتهجير وتوزيع الفلسطينيين اللاجئين في كل بلاد الأرض لكن بعيدًا عن بلادهم الأصلية.

إنَّنا نُذكِّر العالم بضرورة ممارسة قوة القانون، وقوة الشرعية الدولية لحمل الاحتلال الصهيوني على مغادرة الأراضي المحتلة حتى يقيم شعبنا دولته المستقلة. كما نُذكِّر بأنَّ اعتراف العالم بوجود دولة يهودية، في القرار 181، جاء مرهونًا ومرتبِطًا باعتراف وموافقة دولة الاحتلال بالقرار 194 أي تسهيل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي شُرِّدوا منها في العام 1948.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار

الحُريّة والعزّة لأسرانا الأبطال

والشفاء العاجل لجرحانا الميامين

وإنَّها لثورةٌ حتّى النّصر

حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"- الإعلام المركزي - لبنان

2018-11-27