خاص مجلة القدس| العدد 349 لشهر آب 2018
غزّة| محمد الذهبي


فاقمَ قرار الاحتلال الإسرائيلي القاضي بوقفِ جميع أشكال التبادل التجاري بين قطاع غزّة والخارج، والذي جاء في محاولةٍ لوقف إطلاق الطّائرات الورقية والبالونات الحارقة من قطاع غزّة باتّجاه الأراضي الفلسطينية المحتلّة، من الأزمة الإنسانية والاقتصادية في غزّة، لا سيما أنَّه تمَّ بموجب القرار منعُ إدخالِ جميع البضائع عبر معبر كرم أبو سالم بما فيها الوقود والديزل، باستثناء المواد الغذائية والأدوية وبتصاريح خاصّة، وكذلك وقف تصدير البضائع من قطاع غزّة إلى الخارج.

وبدأت تبعات القرار الإسرائيلي بالظهور بعد ساعات قليلة من دخوله حيِّز التنفيذ، حيث أوشكت بعض السِّلع والبضائع على النفاد من الأسواق، خاصّةً أنَّ معبر كرم أبو سالم يُعدُّ المتنفَس التجاري الوحيد لأكثر من مليونَي مواطنٍ فلسطينيٍّ في قطاع غزّة.
لا بديل عن معبَر كرم أبو سالم
يرى مدير دائرة العلاقات العامّة في الغرفة التجارية في غزّة د.ماهر الطباع أنَّ قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يُعيدُ قطاع غزّة إلى بدايات الحصار سنة 2007، حيثُ كانت (إسرائيل) لا تسمح في حينها سوى بإدخال السِّلع الأساسية.
وينفي الطباع في حديثه لمجلة "القدس" إمكانية اعتبار معبر رفح البري بديلاً لمعبر كرم أبو سالم التجاري، ويقول: "عندما كان التُّجار ورجال الأعمال يطرحونَ خيار معبر رفح، كانت المطالبة بأن يعمل المعبر بالتوازي مع كرم أبو سالم وليس كبديل له، خصوصًا أنَّ إدخال البضائع من الجانب المصري يتمُّ بشكلٍ استثنائيٍّ لا بشكلٍ دائم".
ويُحذِّر الطباع من تداعيات القرار التي وصفها بالخطيرة على المستورِدين مُنوّهًا إلى وجود آلاف الحاويات المحمَّلة بالبضائع والمحتجَزة لدى سلطات الاحتلال، ممَّا سيُكبِّد المستورِدين خسائر فادحة نتيجةَ تحمُّل أجور التخزين في المخازن الإسرائيلية، بالإضافة إلى أنَّ وقف استيراد البضائع من الضفة الغربية ومصانعها ستكونُ له انعكاساتٌ كارثيّةٌ على الاقتصاد الفلسطيني.
ويلفت الطباع إلى أنَّ قرار منع إدخال البضائع أدَّى إلى حالة من التوتُّر والقلق لدى أهالي قطاع غزّة، وسرعان ما أدَّى إلى ارتفاع الأسعار، ويردف: "الإسمنت كان أوضح وأسرع النماذج على حالة الاحتكار والقلق، فقد ارتفعَ سعر الطن الواحد منه بنسبة 70% خلال أيام، وبرأيي ستشهد أسعار الكثير من السِّلع ارتفاعًا في حال استمر قرار المنع، فمن الطبيعي أن يؤدّي شحّ البضائع إلى ارتفاع الأسعار".
ويُشير الطباع إلى أنَّ حجم التبادل التجاري عبر معبر كرم أبو سالم وصل إلى 400 شاحنة يوميًّا، في حين تشير التوقّعات إلى أنَّه سينخفض إلى ما دون 100 شاحنة يوميًّا بعد دخول القرار حيّز التنفيذ.
يُذكَر أنَّ (إسرائيل) تتحكَّم بمعبر كرم أبو سالم "المنفَذ التجاري الوحيد بين قطاع غزّة والعالم"، وبحركة البضائع الصادرة والواردة من خلاله، كما أنَّها تضع قيودًا على واردات السِّلع بحجّة إمكانية الاستخدام المزدوج لها؛ أيّ مدنيًّا وعسكريًّا.
مطالبة فلسطينية ودولية بإلغاء القرار الإسرائيلي
يُطالب الخبير الاقتصادي د.ماهر الطباع برفع الحصار والعقوبات الإسرائيلية الجديدة عن غزّة مُحذِّرًا من أنَّ القرار الأخير من شأنه تعميق الأزمات الإنسانية والاقتصادية في القطاع، ورفع نسب البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي والاقتصادي.
بدورها حذَّرت جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين من خطورة فرض عقوبات إسرائيلية اقتصادية جديدة على قطاع غزّة، مُشيرةً إلى أنَّ ذلك سيؤدِّي إلى خلل كبير في حركة دوران السيولة المالية في الأسواق والمعاملات المالية لرجال الأعمال، وارتفاع شديد في أسعار المواد المحظور إدخالها.
ودعت الجمعية في تصريح صحفي بِاسمِ رئيسها علي الحايك إلى عدم الخلط بين السياسة والاقتصاد، وإلى إخراج احتياجات غزّة الإنسانية من الحسابات السياسية كون القطاع لا يحتمل مزيدًا من العقوبات في ظلِّ حالة الركود الاقتصادي التي تسود معظم الأنشطة فيه، وطالبَت بتكثيف الجهود من أجل تطبيق المصالحة الفلسطينية، باعتبارها طوق النجاة الوحيد في المرحلة الراهنة لإنقاذ غزّة من الانهيار التام الذي يُهدِّدها.
ومن الجدير بالذكر أنَّ القرار الإسرائيلي سيؤدِّي إلى توقف قطاع الإنشاءات، ممَّا سيُسفِر عن ازدياد عدد العاطلين من العمل، فضلاً عن توقُّف القطاع الصناعي عن الانتاج نتيجة منع إدخال المواد الأولية الخام، وما سيتكبَّده القطاع الزراعي من خسائر كبيرة جرّاء منع تصدير الخضروات والفواكه من القطاع، كما أنَّ تقليص مساحة الصيد المسموح بها إلى ستة أميال بحرية سينعكس سلبًا على الصيّادين الذين يعانون قلّة الثروة السمكية في مساحة الأميال الستة المتاحة.
بدورها، انتقدت الأمم المتحدة قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي مُحذرةً من تداعياته السلبية على الوضع الإنساني لأهالي القطاع.
وطالبَ المنسِّق الخاص للأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف (إسرائيل) في بيانٍ رسمي بإلغاء القرار مُعرِبًا عن قلقه بشأن تداعيات إغلاق المعبَر، ومُضيفًا: "إنَّ المساعدات الإنسانية لا يمكن أن تكون بديلاً للتجارة".
وعلى الصعيد نفسه، حذَّر المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان في رسائل عاجلة إلى سفراء دول الاتحاد الأوروبي فور صدور القرار، من تداعياته، وبيَّن أنَّ فرض إجراءاتٍ كهذه، في الوقت الذي يعيش فيه القطاع أزمةً إنسانيّةً حادّةً، سيؤدّي إلى الانفجار خلال فترة قصيرة، لأنَّ الإجراءات الإسرائيلية ستؤدي إلى تقويض الاقتصاد، والقضاء على كلِّ محاولات المجتمع الدولي من أجل دعم القطاع الخاص، كما أنَّ وقف الصادرات والواردات يعني انضمام عشرات الآلاف من السكان إلى العاطلين من العمل، في وقتٍ يُعدُّ فيه معدل البطالة في غزّة الأعلى حول العالم.
وأضاف الأورومتوسطي: "رغم وجوب تحمُّل (إسرائيل) مسؤولية حماية شؤون المدنيين الذين يقعون تحت احتلالها، إلا أنَّها تفرض حصارًا خانقًا على القطاع، وتمارس شكلاً غير مسبوقٍ من أشكال العقاب الجماعي".
وأطلعَ المرصد السفراء الأوروبيين على حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها نحو مليوني مواطن في غزّة مؤكِّدًا أنَّ إغلاق المعبر التجاري الوحيد مع الأراضي المحتلة سيُغلِق آخر أبواب الحياة في غزّة، وسيؤثِّر على جميع القطاعات والبنى التحتية، بما فيها القطاع الصحي، والذي بات عاجزًا عن تقديم نحو 60% من الخدمات الطبية الأساسية للمرضى.
وجاء في الرسالة: "إنَّ السلطات الإسرائيلية لا تفرض قيودًا على دخول البضائع والمستلزمات الأساسية وحسب، بل تحرم الشريحة الأكبر من السكان من حقِّهم في التنقُّل والسفر، وتمنع مرورهم عبر معبر بيت حانون، وهو الوحيد المخصَّص لحركة الأفراد من وإلى الأراضي المحتلة، ممَّا يُبقي عشرات الآلاف من المرضى محاصرين في القطاع، في الوقت الذي تفقد فيه كبرى مستشفياته نحو 60% من الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، ما يتسبَّب بخسارة مئات المرضى حياتهم في انتظار فتح أبواب غزّة لتلقي الرعاية الصحية في الخارج".
ودعا المرصد في رسالته سفراء دول الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية للضغط على السلطات الإسرائيلية من أجل وقف إجراءاتها العقابية بشكلٍ فوري وغير مشروط، والعمل على إدخال المواد الأساسية للقطاع، وتسهيل حركة مرور الأفراد والبضائع من وإلى القطاع المنكوب بفعل اثني عشر عامًا من الحصار المشدَّد الذي تفرضه (إسرائيل).
استيراد الفاكهة من (إسرائيل) محظور
أعلنت وزارة الزراعة في غزة منع استيراد الفاكهة الإسرائيليّة عبر معبر كرم أبو سالم، كخطوةٍ أولية للردِّ على منع الاحتلال تصدير الخضروات من قطاع غزّة.
وقالت الوزارة في بيانٍ صحفي لها إنَّ القرار جاء للضغط على سلطات الاحتلال موضحةً أنَّ إغلاق معبر كرم أبو سالم أثَّر بشكلٍ كبير على القطاع الزراعي، وكبَّد المزارعين خسائر كبيرة.
وأوضحت الوزارة في بيانها، أنَّ قرارها القاضي بمنع استيراد الفواكه الإسرائيلية سيُكلِّف (إسرائيل) خسارة فادحة، لاسيما أنَّ قطاع غزّة كان يُستورَد يوميًّا أكث من مائتي طن من الفواكه الإسرائيلية.