خاص مجلة "القدس" العدد 346 نيسان 2018
تحقيق: طارق حرب

كانت الرياضةُ وما زالت مُتنفَّسًا لأبناء اللاجئين الفلسطينيين وشبابهم في لبنان. وشهدت الحركة الرياضية الفلسطينية تميُّزًا على الصعيد الفردي داخل الأندية اللبنانية وخاصةً لعبة كرة القدم. وبدأنا نشهد مُؤخَّرًا اهتمام الشباب الفلسطيني بالألعاب القتالية والفردية، فبرزَ أبطالٌ فلسطينيون من مخيّمات لبنان عبر حصد الميداليات واعتلاء منصَّات التتويج في البطولات المحلية اللبنانية والعربية والدولية.

هذا التميُّزُ الذي يحتاج إلى رعايةٍ، دفعَ قيادة الحركة الرياضية الفلسطينية في فلسطين، في ظلِّ تراجع دور الأندية والمؤسسات الفلسطينية في لبنان، إلى استنفار طواقمها عبر إرسال وفودٍ لدراسة الواقع، ووضع الخطط للنهوض بها.
ويرى نائب رئيس "اللجنة الأولمبية الفلسطينية" في الشتات اللواء محمد زيداني أنَّ هذا الاهتمام من قيادة الحركة الرياضية يبرزُ "من خلال الزيارة الأخيرة للمجلس الأعلى للشباب والرياضة، واللجنة الأولمبية والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم والطواقم الفنية المعنية بتطوير وهيكلة الأندية الفلسطينية في لبنان".
وهو ما يؤكِّده بدوره أمين عام "المجلس الأعلى للشباب والرياضة الفلسطيني" الوزير عصام القدومي في زيارته الأخيرة على رأس وفد المجلس الأعلى واللجنة الأولمبية واتحاد كرة القدم بقوله: "في هذه المرحلة نسعى لتحقيق بعض الإنجازات على صعيد تمكين الأندية الفلسطينية في الساحة اللبنانية، وتجهيز ملاعب معشّبة في المخيّمات الفلسطينية، وهذا هو الهدف من وجود مُتخصِّصين في مجال المنشآت الرياضية ضمن الوفد. وقد زاروا المخيَّمات، وعاينوا الأماكن التي يمكن إنجاز ملاعب عليها، وتمَّ حصرُ خمسة ملاعب يمكن البدء بالعمل عليها".
بين الوطن والشتات
في ظلِّ النهضة الرياضية في فلسطين يبرز فارقٌ واضحٌ ما بينها وبين الحركة الرياضية الفلسطينية في الشتات، حسب وصف القدومي. لكن "المطلوب منَّا جميعًا أن نُقلِّصه، وهناك تواصل على مستوى التشكيلات الرياضية كافّةً سواء أكان على صعيد الاتحادات أم اللجنة الأولمية أم المجلس الأعلى للشباب والرياضة". ويُضيف: "زياراتنا المتكرّرة هدفها أن نتقدَّم، نتقدَّم ببطء لكن هناك إنجاز. وهذه الزيارة كانت قطف ثمارٍ لبرنامج أعددناهُ مُسبقًا".
ويعدُّ القدومي هذا التقدُّم بطيئًا لكنَّه يسير نحو الهدف على عدة مستويات "تقدَّمنا على صعيد الأندية والاتحادات، وأعتقدُ أنَّ تمكين الأندية العاملة في الشتات هو عامل أساسي، فإذا كانت هذه الأندية قادرةً على أداء مهامها، ستصبح مؤسسات بحدِّ ذاتها لها هيكليتها وآليات عملها".
ويصف اللواء زيداني الوضع القائم بأفضل ممَّا كان، إذ يقول: "تشهدُ الحركة الرياضية الفلسطينية تطورًاً تصاعُديّا بشكل كبير، وذلك عبر أذرعها الثلاث، المجلس الأعلى واللجنة الأولمبية المسؤولة عن الاتحادات الرياضية واتحاد كرة القدم، لما لهذه اللعبة من خصوصية تصب في خانة تعزيز وتدعيم اللعبة". ويتابع: "نسعى بجهد حثيث لكي تكون الرياضة الفلسطينية رياضةً وطنيّةً تشمل الكلَّ الفلسطيني وليست رياضة فصائلية. وهذا الأمر يؤكِّده باستمرار اللواء جبريل الرجوب بقوله (سوف نجعل من هذه الرياضة رياضةً وطنيةً فلسطينيةً يستفيد منها الكل الوطني الفلسطيني). وعندما يستفيد الكلُّ الفلسطيني، سنُساهم بحالة التفاعل الوحدوي بين الهياكل التنظيمية والسياسية".
مفاهيم موحَّدة لتذليل العقبات
يوضحُ الوزير القدومي أنَّ العقبات التي تواجه عمل اللجان في عملية النهضة الرياضية في لبنان وتطوير الأندية "لها علاقةٌ بإرث وتاريخ عمل هذه الأندية وظروفٍ عديدة منعت تطوُّر أدائها"، ويُضيف: "المطلوب هو وجود فهم حقيقي لرسالة النادي ورسالة المجلس الأعلى للشباب والرياضة واللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية المختلفة. فإذا كانت المفاهيم موحَّدةً وراسخةً لعمل ومسؤولية كلِّ طرف يمكننا النهوض، أضف إلى ذلك عامل الوقت الذي يعدُّ من أبرز الصعوبات، والعقبات الاقتصادية، والإمكانات المادية، والجوانب الفنية والقانونية والإدارية". ويلفت إلى أنَّ "هناك جدية في العمل من أجل تجاوز العقبات التي تعترض عملنا. والدليل أنَّنا تجاوزنا بعضها، وهناك تجاوب من جميع الأندية من خلال تقديم أوراقها. بعض الأندية بحاجة لاستكمال أوراقها، والبعض الآخر بحاجة إلى تقوية حضورها، وإمكانيّاتها، وإجراءاتها القانونية".
بدوره يؤكِّد اللواء زيداني بصفته مسؤول الشباب والرياضة في حركة "فتح" إقليم لبنان أنَّ "أنديتنا الحركية التي عملنا على تأطيرها وتنظيمها سابقًا تصب في خانة المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وقدَّمت أوراق اعتمادها للمجلس الأعلى من أجل الالتزام بالقوانين واللوائح المنظّمة".
ويرى أنَّ انضمام الأندية إلى المجلس الأعلى يُعزِّز دور وفعالية الأندية لأنَّ هذا التسجيل والاعتماد سيتبعه "دعم لوجستي وفني ومالي" موضحًا أنَّ "اللواء جبريل الرجوب قد وعدَ أنَّه بعد التزام الأندية الفلسطينية في لبنان ضمن لوائح وشروط المجلس ستُصرَف مساعداتٌ ماليّةٌ لتمكينها والمساهمة في تفعيلها".
من جهة أخرى، يؤكِّد الوزير القدومي أنَّه "على الرغم من أهمية الدعم المالي، إلّا أنَّه عندما نقول تمكين وتصويب للأندية، فإنَّما نقصد أن تكون الإجراءات وَفْقَ الأنظمة والقوانين المتَّبعة، للأندية المسجَّلة في المجلس. ففي السابق دعمنا الأندية ماليًّا، لكنَّ هذا الدعم ليس الحلَّ السحري لمشكلات الرياضة في لبنان، فهناك جانب فني وجانب إداري. ومن خلال دراستنا وجدنا أنَّ الأولوية هي تمكين أنديتنا، ليكون لديها جهاز فني إداري، وهيئة عامة وانتخابات وآليات تقييم. وفي حال إتمام هذا الهدف أعتقدُ أنَّ الأندية ستصبح قادرةً على الإنجاز ليس على صعيد الرياضة فحسب، وإنَّما على الصعيد الاجتماعي والثقافي والشبابي أيضًا".
الشباب جزءٌ من هدف المجلس الأعلى
لا يغيبُ الشباب عن اهتمامات المجلس الأعلى للشباب والرياضة، فالأندية الشبابية والكشفية تندرج تحت لوائح المجلس، والاهتمام بها ووضع البرامج لها من أولويّاته، حيثُ يقول الوزير القدومي: "عمليًّا خلال العام الماضي نظَّمنا مجموعةً من المخيّمات الصيفية التي شارك فيها نحو 2550 شابًّا طليعيًّا من مخيّمات لبنان، وأخذت البُعد التطوّعي والابتعاد عن السلوك السلبي، وجميع المجالات التي لها علاقة ببناء وصقل شخصية الشباب الفلسطيني. وفي الجانب الآخر كانت هناك زياراتٌ لبعض المؤسّسات الشبابية اللبنانية بهدف الاطلاع على آلية التمكين الاقتصادي للشباب التي يقومون بها. فعلى سبيل المثال زُرنا مؤسسة "وفا" اللبنانية التي تُموِّل مشاريع للشباب الخرّيجين، واستفدنا من تجربتهم، وحاليًّا نُنفِّذ هذا المشروع في فلسطين. ونريد نقل هذه التجربة إلى الساحة اللبنانية، إلى جانب برامج التمكين الاقتصادي القائمة، كبرنامج صندوق الاستثمار الفلسطيني وغيره للمساهمة في دعم الشباب الخرّيجين في الساحة اللبنانية".
كرة القدم: تحويل الأندية إلى مؤسسات
تُعَدُّ كرة القدم اللعبة الأكثر شعبيّةً في العالم، والشعب الفلسطيني ليس استثناءً. ولأنَّها تبدأ من حارات وأزقّة المخيَّم، تكون الأندية هي الحاضنة للمواهب والبراعم الرياضية وتطويرها وتنميتها. ويرى أمين عام "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" عمر أبو حاشية، الذي رافق وفد المجلس الأعلى للشباب والرياضة، أنَّ "كرة القدم الفلسطينية في لبنان ستبدأ بعد إنجاز تراخيص الأندية واعتماد المنظومة القانونية لهذه الأندية، من قِبَل المجلس الأعلى للشباب والرياضة، ومن ثُمَّ إصدار تراخيص ممارستها لكرة القدم إذا توفّرت لديها الشروط ولوائح الاتحاد".
مشاركة الأندية الفلسطينية في لبنان ستكون من خلال دوري الشتات، ومن الممكن دمجها في بطولات الكأس مع الضفة وغزّة، على حدِّ قول أبو حاشية،
ومن خلال زياراته وجولته في المخيّمات الفلسطينية في لبنان فإنَّ أبرز العقبات التي تعترض تطوير لعبة كرة القدم في المخيّمات الفلسطينية هي "النمطية والعقلية الفصائلية الموجودة"، كما يراها أبو حاشية. إضافةً إلى "تسلُّط بعض الأشخاص على هذه اللعبة، حتى أصبحت بعض الأندية وكأنَّها ملكية خاصة بهم".
ومن ناحية دعم اللعبة في لبنان، يؤكِّد أبو حاشية أنَّ دور الاتحاد هو "تنظيم المسابقات وَفْقَ القوانين والمعايير الاتحادية، والعمل على إيجاد لاعبين أقوياء من خلال تنظيم دوري يمكن الاستفادة منهم في المنتخبات الوطنية المختلفة، ودعم الأندية ماديًّا عبر الدعم الحكومي والرعاية وعائدات المباريات".
أمَّا الدعم الأبرز بحسب أبو حاشية فيكمن في "تطوير كادر اللعبة من حيثُ الحُكَّام والمدرّبين والإداريين. وسبق أن نظَّمنا دورتَين للتحكيم، ودورتَي تدريب مدربين آسيوية من المستوى الثالث، وهناك المزيد على المستوى الفني والإداري. دورنا أن نُقنِّن الأندية ونحوّلها إلى مؤسسات".
اللجنة الأولمبية خيمة الاتحادات الرياضية
يعتبر نائب رئيس اللجنة الأولمبية في الشتات أنَّ "الأولمبية هي خيمة الاتحادات الرياضية". مُضيفًا: "نحنُ بصدد تشكيل مجلس أولمبي للشتات من الاختصاصيين المتابعين للألعاب الفردية والقتالية والألعاب الجماعية، وفتحنا قنوات الاتصال بين الاتحادات الفرعية في الشتات والاتحادات الرئيسة، حيثُ يُتابع كلُّ اتحادٍ فرعيٍّ رزنامة الاتحاد الرئيس للعبة وتنسيق الأمور بينهما".
ويفخر اللواء زيداني بإنجاز اتحاد "المواي تاي" خلال مشاركته الدولية في لعبة المواي بوران في تايلند، حيثُ حصد اللاعبون الفلسطينيون ثلاث ذهبيّات وفِضيَّتَين وأربع برونزيات بمشاركة لاعبين من مخيّمات لبنان مع اللاعبين من فلسطين.
تمثيلُ فلسطين ورفع العَلم الفلسطيني في المحافل الرياضية العربية والدولية حُلم وهدفُ كلِّ رياضيٍّ فلسطيني في مخيّمات لبنان. التخطيط والتنظيم للحركة الرياضية في الشتات بمنزلة الخطوة الأُولى التي تنتظر الخطوات التالية لتحقيق أحلامهم.