غزّة| تقرير: محمد الذهبي
خاص مجلة "القدس" العدد 346 نيسان 2018

هَبَّ مئاتُ الآلاف من الشُبّان الفلسطينيين في قطاع غزّة في الثلاثين من آذار المنصرم، كعادتهم في كلِّ عام، لإحياءِ ذكرى يوم الأرض الثانية والأربعين، ولتأكيدِ تمسُّكهم بحقِّ العودة إلى أراضيهم التي هجَّرهم منها الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م، حيثُ تنشط الدعوات إلى التظاهر في ربوع فلسطين المحتلّة في مثل هذا اليوم من كلِّ عام إحياءً لذكرى استشهاد ستة فلسطينيين على يدِ القوات الإسرائيلية خلال تظاهرات عام 1976م.

مسيرةُ العودة الكبرى التي دعت إليها الفصائل والقوى الفلسطينية لم تمر مرورَ الكرام في أجندة ويوميّات القضية الفلسطينية الزاخرة بالأحداث. فاستشهد 18 شابًّا، فيما أصيب نحو 1400 مواطنٍ بجروح مختلفة، حين أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب الحدود الشرقية لقطاع غزّة، قنابل الغاز والرصاص الحيِّ باتّجاه المتظاهرين العُزَّل الذين نصبوا الخيام للمكوث عند المناطق الحدودية المُتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة تمهيدًا لعودتهم إلى أراضيهم المحتلة.
وشيَّعت جماهير غفيرة من مختلف مناطق قطاع غزّة، جثامين شهداء يوم الأرض إلى مثواهم الأخير، في مواكب جنائزية مهيبة شاركت فيها القوى والفصائل الفلسطينية. فيما أُصيبَ 35 شابًّا، قرب حدود غزّة، في ثاني أيام مسيرات العودة، حسب بيان وزارة الصحة في غزّة.
وشَهِدَت الخيام التي نصبتها اللجان التنسيقية لمسيرات العودة توافدًا كبيرًا للمواطنين.
واستمرَّ أبناء غزّة بالتوافد إلى حدود القطاع لليوم الثالث على التوالي، فأُصيبَ أحد عشر مواطنًا شرق بلدة جباليا شمالي قطاع غزّة، وُصِفَت جراحُ أحدهم بالخطيرة، وفي حيّ الزيتون جنوب شرقي مدينة غزّة، وشرق مدينة خان يونس جنوبي القطاع.
د.عبدالعاطي: على الجميع التقاط هذه اللحظة التاريخية
عضو اللجنة القانونية ضمن لجنة متابعة مسيرة العودة الكبرى د.صلاح عبدالعاطي قال في حديثٍ لمجلة "القدس": "في اللحظة التي لا نستطيعُ فيها تحمُّل كلفة المقاومة المسلَّحة رغم مشروعيّتها، وفي ظلِّ الحصار الخانق والعقوبات المفروضة على غزّة وانسداد أُفُق المصالحة، وظهور صفقة القرن، غزّة شقَّت مجرى جديدًا للنضال الوطني الفلسطيني، وتحاول أن تُجنِّب نفسَها الحرب، وذلك من خلال فتحِ طريق باستخدام المقاومة السلمية، ممَّا سيُعيد تصويبَ البوصلة الوطنية الفلسطينية باتَّجاه الثوابت الوطنية وأولها حقّ العودة والأرض الفلسطينية".
وأضاف: "قطاعُ غزّة لا يحتمل أيَّ ضرباتٍ جديدةٍ، فأوضاع الحياة الإنسانية كارثية، بسبب استمرار الحصار الخانق منذ 12 سنة واستمرار حالة الانقسام، ممَّا تركَ تداعيات كارثية على الوضع الاقتصادي والإنساني، وعقّد وفاقَم من معاناة المواطنين المدنيين".
وعن مدى ارتباط التظاهرات بقضايا غزّة العالقة، أكَّد د.عبدالعاطي أنَّ "الأمر لا يتعلَّق بقطاع غزّة، فمسيرات العودة الكبرى هدفُها تسليط الضوء على معاناة شعبنا في أراضي الـ1948، حيث أنَّنا أطلقنا هذه الرسالة من غزّة، وتفاعلنا مع كثيرين في الضفة الغربية، ومع قوى سياسية ومنظمات لحثِّها على الحراك في مواجهة صفقة ترامب وعمليات تهويد القدس وتسريع الاستيطان والضم التوسعي، وفي الخارج تفاعلنا مع كلِّ اللاجئين والتجمّعات الخاصة بهم لتنظيم الأنشطة والفعاليات في هذه الذكرى، فلو كان الأمر يقتصر على غزّة لسارت وحدها في هذا الحراك، ولكنَّ العدد الضخم الذي خرج في غزّة ربما يكون سببه معاناتها ورغبتها بكسر الحصار واستعادة الوحدة، ما جعلها مركز الحدث".
وشدَّد د.عبدالعاطي على أهمية استمرار عمل اللجنة والمضي قدُمًا بفعاليات ومسيرات العودة الكبرى، في سبيل لجم صفقة القرن، وردًّا على محاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال تقليص خدمات وكالة "الأونروا"، ومحاولة إلغاء صفة اللاجئ المتوارثة، ومحاولات الضغط على الدول لتوطين اللاجئين مؤكداً أنَّ "ذروة هذا العمل ستكون في الذكرى السبعين للنكبة، وسنُطالب كلَّ دول وأحرار العالم واللاجئين الفلسطينيين في الرابع عشر من أيّار، بالخروج إلى الميادين والزحف لحماية القدس ومُناصرةِ أهلنا فيها وصمودهم".
وطالبَ عبر "القدس" الفصائل الفلسطينية بالإسراع في إنجاز الوحدة الوطنية واستثمار مفاعيل هذه الهبَّة الجماهيرية الواسعة ومسيرات العودة في الاتفاق على مشروع وطني واستراتيجية نضالية وإعادة تفعيل المؤسسة الوطنية الجامعة، وهي "م.ت.ف" على أُسُس الشراكة والتوافق، وضمان تعظيم الاشتباك السياسي والدبلوماسي والشعبي والقانوني مع الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك إسناد مسيرات العودة وضمان التحرُّك في هذا المجرى الجديد، لاسيما أنَّه أقلُّ خسائر لشعبنا، ويُعيدُ الاعتبار إلى القضية الوطنية الفلسطينية باعتبارها قضية لاجئين، لذا على الجميع التقاط هذه اللحظة من أجل استعادة الوحدة الوطنية ردًّا على كلِّ التحديات".
الرئيس عباس يعُلن الحداد العام ويُكلِّف منصور بالتحرُّك داخل الأمم المتحدة
أعلن سيادة رئيس دولة فلسطين محمود عبّاس في خطاب ألقاهُ عشية أحداث يوم الأرض في غزّة الحداد الوطني على أرواح شهداء يوم الأرض، وكلَّف مندوب دولة فلسطين في الأمم المتحدة بإجراء الاتصالات مع أعضاء مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة لاتِّخاذ الإجراءات الضرورية والفورية لحماية الشعب الفلسطيني. وحمّل في خطابه جيش الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية استهداف المتظاهرين خلال الاعتصام الشعبي قرب السياج الفاصل بين قطاع غزّة والأراضي الفلسطينية المُحتلّة.
هذا ورأى المتحدِّث الرسمي بِاسم حكومة الوفاق الوطني يوسف المحمود أنَّ "اعتراض واشنطن ولندن وإفشالهما جلسة مجلس الأمن الدولي الهادفة لاتِّخاذ موقف وإصدار بيان ضدَّ (إسرائيل)، يضعهما في خانة الشريك في المجزرة".
من جانبه، أكَّد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مفوَّض التعبئة والتنظيم في الحافظات الجنوبية أحمد حلس، خلال مشاركته في مسيرة العودة الكبرى، أنَّ "هذه المسيرة السلميّة جاءت من أجل التأكيد على أنَّ العودة هي جوهر نضال شعبنا منذ احتلال الأرض الفلسطينية، وعلى أن التحديات والصعاب كافّةً لن تثني أبناء الشعب الفلسطيني عن تمسُّكهم بحقوقهم التي كفلتها المواثيق والأعراف الدولية كافّةً".
من جهتها، أعلنت اللجنة القانونية في "الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة الكبرى" في بيان لها عن عملها وحراكها الجاد من خلال التواصل مع منظمات حقوقية محلية ودولية وخبراء في القانون الدولي، بهدف التحرُّك قانونيًّا وقضائيًّا لتفعيل كلِّ أدوات وآليات القانون والقضاء الدوليين، بما في ذلك تقديم معلومات لمكتب المدعية العامّة للمحكمة الجنائية الدولية، لطلب مُساءلة المسؤولين العسكريين والمدنيين الإسرائيليين عن جرائمهم المتركَبة بحق المتظاهرين المدنيين الفلسطينيين".
مواقف دولية وعربية مُندِّدة
أخفق مجلس الأمن الدولي في الاتفاق على بيان مشترك بشأن غزّة، عقب أحداث يوم الأرض، في حين دعا القائم بأعمال وكيل الأمين العام للشؤون السياسية تاي بروك زرهون، خلال الجلسة، قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس لتجنُّب وقوع مزيدٍ من الضحايا، مُشدِّدًا على ضرورة عدم استخدام القوة الفتّاكة إلّا كملجأ أخير، وإجراء تحقيقات ملائمة، بشأن أيّة وفّيات ناجمة عن ذلك.
من جهتها، أدانت الخارجية الروسية استخدام القوة العشوائية ضدَّ المدنيين في غزّة. فيما دعا البابا فرنسيس في عِظته، بمناسبة "عيد الفصح"، إلى السلام في الأرض المقدّسة بعد يومين من استشهاد 18 فلسطينيًّا برصاص الاحتلال، قائلاً: "إنَّ الصراع لم يسلم منه المسالمون".
وقال السفير الكويتي منصور العتيبي إنَّ بلاده تُندِّد بأشدِّ العبارات بممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي أدَّت إلى سقوط شهداء وجرحى، وتدعو مجلس الأمن إلى التحرُّك لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وحماية المدنيين الفلسطينيين.
وفي سياقٍ مُتَّصل، أكَّد وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، ووزير خارجية جمهورية مصر العربية سامح شكري، مركزية القضية الفلسطينية، وأدانَا عقب محادثات أجرياها في القاهرة، العنف والتصعيد الإسرائيلي ضدَّ الفلسطينيين الذين مارسوا حقَّهم المشروع في التظاهر السلمي ضدَّ الاحتلال.