حوار: منال خميس/ خاص مجلة "القدس" العدد 342 تشرين الاول 2017

يبدو أنَّ الانقسام الفلسطيني ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، يعيش أيامه الأخيرة. فبرعاية ‏‏مصرية بدأ ‏ملف المصالحة الفلسطينية يخطو بخطوات ثابتة، نحو مشهده الأخير، حيث ‏‏تتواصل الجهود الحثيثة من ‏قِبَل الرئيس محمود عبّاس والحكومة الفلسطينية لإنهاء فصل ‏تعيس ‏من حياة الشعب الفلسطيني، عمره ‏أحد عشر عامًا، تسبَّب به انقلاب حركة "حماس" في ‏‏الرابع عشر من حزيران 2007 على السلطة الوطنية ‏الفلسطينية، وسيطرتها بالقوة العسكرية ‏على ‏قطاع غزة.‏ وللحديث عن ‏أهمية إنجاز المصالحة ومتطلبات المرحلة القادمة، التقت مجلّة ‏‏"القدس"، عضو المجلس ‏الثوري ‏لحركة "فتح" محمد جودة النحّال.‏

ماذا يعني نجاح المصالحة الفلسطينية؟
هذا يعني إرادة حقيقية تمتلكها الفصائل الفلسطينية، وبداية رد الاعتبار للمشروع الفلسطيني ‏‏برمّته. حالياً، ‏وعندما نتحدَّث عن المنطقة والإقليم، وما تمرُّ به القضية الفلسطينية من مرحلة ‏‏دقيقة وخطيرة جداً، لا بدَّ لنا ‏من إتمام المصالحة، وعندما نتحدَّث عن المصالحة التي هي برعاية ‏‏مصرية نؤكِّد أنَّ الفصائل الفلسطينية ‏جميعها امتلكت فعلاً الإرادة من أجل تنفيذٍ دقيقٍ ‏‏للمصالحة. نحن نتحدَّث عن ورقة الوفاق الوطني ‏الفلسطيني، وما تمَّ الاتفاق عليه في القاهرة ‏‏وإعلانه في أيّار 2014م، وما تمَّ الاتفاق عليه في الجولة الأخيرة ‏التي دارت في أروقة مقر ‏‏المخابرات المصرية ما بين حركتَي "فتح" و"حماس" هو الاتفاق على وضع ‏خارطة طريق من ‏أجل ‏تنفيذ المصالحة الوطنية الفلسطينية، وبعد أن خرجوا بالمؤتمر الصحفي سيكون ‏هناك ‏سقفٌ ‏زمنيٌّ يتعلَّق بمجيء الحكومة، واستلام زمام الأمور في قطاع غزة، وكل ما يتعلَّق ‏بجميع ‏الملفات ‏الشائكة أيضًا، وخاصّةً عندما نتحدَّث عن ملف الموظّفين، إذ نرى بأنَّ هناك ‏بصيص ‏أمل ‏بإذن الله لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني، ولنستطيع أن نصل إلى مبتغانا ووصايا ‏الشهداء ‏حول ‏الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.‏
متى سيلمس المواطن نتائج حلِّ الملفات الطارئة والضرورية كالاحتياجات الأساسية في ‏غزة من كهرباء، ‏وماء، ‏ودواء، ومعابر، ورفع الحصار؟
مثل هذه الملفات يجب أن لا ينتظر المواطن حلَّها طويلاً، لأنَّنا نتحدَّث ‏عن خدمات مشتراة ‏من قِبَل ‏المواطن. فموضوع الكهرباء الذي كان هناك دوماً خلاف ‏عليه بخصوص ضريبة ‏‏"البلو" وتوفير الوقود، ‏باستطاعتنا اليوم أن نقول بأنَّه لا يوجد ‏هناك أي مبرر لاستمرار هذه ‏الأزمة، ولكن يجب علينا الاعتراف ‏بأنَّ أكثر من عشر ‏سنوات ونيف مرَّت على الانقسام، ‏ولا أحد يمتلك العصا السحرية من أجل إتمام هذا ‏الموضوع ‏بالسرعة الكبيرة، ولكن باعتقادي ‏أنَّه مع نهاية العام الجاري سيكون هناك حل لكلِّ ‏هذه ‏المشكلات.‏
بالنسبة لملف الموظفين، وإعادة الخصومات-الدمج لموظّفي "حماس"، ما الضامن لحقِّ ‏‏موظفي السلطة ‏الفلسطينية في التسكين على الهيكليات والترقيات وغير ذلك؟
هناك لجانٌ قانونية إدارية مالية ستأخذ دورها في جميع الوزارات، للنظر في احتياجات ‏‏الوزارات، ‏وهناك قرار واضح من السيّد الرئيس بإعادة ما تمَّ خصمه على الموظّفين، ‏ وهناك ‏لجان ستبدأ ‏بالعمل ‏وتستمر حتى بداية شباط 2018م لمعالجة بعض المواضيع التي تتعلّق ‏باستحقاقات الموظّفين ومَن ‏قُطِعَت رواتبهم قبل ذلك، ‏وملف تفريغات 2005، وملف ‏موظفي "حماس" العسكريين والمدنيين، وما ‏يُطمئِن في هذا الموضوع أنَّ هناك ‏سقفًا زمنيًّا له، ‏ولن تكون هذه المباحثات مفتوحة، بالتالي ستكون هناك ‏نهاية لكلِّ ملف، ‏ونأمل من الله أن ‏يستمروا بالعمل من أجل إنجاز هذه الملفات، مع تأكيدنا على أنَّ ‏فلسطين تتّسع للجميع، ‏وما ‏يجمعنا أكثر ممَّا يفرّقنا، فنقاط التقاطع بيننا كبيرة، وهذه اللجان كفيلة بحلِّ ‏جميع ‏الإشكاليات ‏إن شاء الله.‏
ماذا عن دمج الأجهزة الأمنية وترتيبها والتقاعد ‏المبكر للعسكريين؟
هذا أمر يعود لضُبّاط الأجهزة الأمنية ورؤسائها، فخلال أسبوع سيصل بعض ضُبّاط ‏الأجهزة ‏الأمنية إلى ‏قطاع غزة من أجل الجلوس مع المسئولين الأمنيين هنا للخروج ‏بمخرج يليق بإعادة ‏ترميم ودمج هذه ‏الأجهزة بالشكل الذي يخدم الوطن، لأنَّنا ودَّعنا ‏مربّع الانقسام، ونريد أن ‏يكون لدينا جيش لوطن وليس ‏لحزب.‏
حقل ألغام بين "فتح" و"حماس" يمكن أن ينفجر في أي لحظة، بسبب قضايا كسلاح ‏المقاومة، ‏والبرنامج السياسي للحكومة المقبل، ‏ويراهن كثيرون، ومنهم ‏‏"إسرائيل"، على أن التفاصيل كفيلة بانهيار المصالحة ‏الفلسطينية؟ ما ردكم كحركة "فتح" على هذه الرهانات؟
نحن نؤكِّد بأنَّنا حريصون كلَّ الحرص على أن لا تكون هناك ألغام في الطريق، أو ‏يكون كما ‏يقول المثل ‏البريطاني "الشيطان يكمن في التفاصيل". فبالنسبة لموضوع سلاح ‏المقاومة، السيّد ‏الرئيس أبو مازن تحدَّث ‏عن سلاح واحد هو سلاح ‏السلطة الوطنية الفلسطينية، وموضوع ‏المقاومة هذا حقٌّ تكفله كلُّ المواثيق ‏والأعراف ‏الدولية، ولكنَّنا لا نريد أن يكون هناك عبثٌ ‏أو قرارُ حربٍ من فصيل عشوائي، فالبندقيّة غير ‏المسيّسة هي قاطعة طريق، وهذا متعارَف ‏عليه عند كلِّ المقاومة في ‏العالم، ونحن على مسؤولية عالية ‏في هذا الموضوع، وبالتالي ‏فليطمئن أبناء شعبنا الفلسطيني، لأنَّنا إمَّا أن نكون على قدرٍ من ‏المسؤولية، ‏وإمَّا أن نكون ‏الخاسر الأكبر فلسطينياً، وباعتقادي إذا تريَّثنا قليلاً، وامتلكنا ‏الحكمة، فنستطيع أن ‏نتخطَّى ‏الصعوبات كافّةً إن شاء الله.‏
تفاجأت "إسرائيل" من توصل حركتَي "فتح" و"حماس" إلى اتفاق حقيقي، وطلبت من ‏السلطة معاملة ‏‏"حماس" كعدو في الضفة الغربية، ولكن السلطة رفضت ‏طبعًا. ما رأيكم ‏بالموقف الإسرائيلي؟ وبرأيكم ما ‏تبعات تنفيذ المصالحة على "إسرائيل"؟
كما كان المستفيد الوحيد من الانقسام هو "إسرائيل"، فالآن سيكون ‏المتضرِّر الوحيد من ‏حالة الوحدة ‏الفلسطينية أيضًا هو الاحتلال، فالوحدة الوطنية هي السلاح ‏الاستراتيجي ‏لشعبنا. ونحن نؤكِّد بأنَّ "حماس" ‏جزءٌ من النسيج الاجتماعي، وجزءٌ من أبناء ‏شعبنا ‏الفلسطيني، ونحن لا ننتظر إملاءاتٍ إسرائيلية حول ‏كيفيّة تعاملنا مع أبناء شعبنا ‏الفلسطيني، ‏وممّا لا شكَّ فيه أنَّ "إسرائيل" عندما تتحدَّث عن حركة "حماس" ‏فهي لا تريد الخير ‏لشعبنا ‏الفلسطيني، لأنَّها كيان احتلال، وهذا الاحتلال يريد أن يكون الشعب الفلسطيني ‏ممزَّقًا.‏
هل تتوقَّعون أن تتَّخذ "إسرائيل" إجراءاتٍ عقابيّةً ضدَّ السلطة الوطنية ‏الفلسطينية أو ضدَّ ‏قطاع غزة مثلاً؟
بالتأكيد هذا أمرٌ واردٌ جداً، ونحن نأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، ولكن دعونا لا ‏نراهن ‏سوى على وِحدة ‏شعبنا الفلسطيني، فهي صخرة الأمان التي يتحطَّم عليها كلُّ ما ‏ُيحاك ‏ضدَّنا من مؤامرات من قِبَل هذا ‏الاحتلال.  ‏
برأيكم هل ستُعقِّد المصالحة عملية السلام مع "إسرائيل"، وتجعلها ‏أكثر صعوبة؟
أعتقدُ أنَّ الأمور ستكون أكثر سهولة، لأنَّ القرار قرار موحَّد، ولا يوجد هناك أسطوانة ‏‏انقسام تلعب عليها ‏‏"إسرائيل"، وتتلاعب بالألفاظ، وكأنَّ الرئيس أبو مازن غير مسؤول عن ‏قطاع ‏غزة، ولا يملك شيئاً في قطاع ‏غزة، فعندما يكون الشعب الفلسطيني موحَّداً باستطاعته ‏أن ‏يصنع السَّلام بوحدته الفلسطينية.‏
ما مصير المجلس التشريعي الحالي؟
الحكومة الفلسطينية القادمة ستكون مهمّتها إعادة الإعمار، وفك الحصار عن ‏قطاع غزة، ‏والتحضير ‏للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهناك مجلس وطني فلسطيني ‏سيلتئم قريباً، ‏وستنعقد له جلسة هنا في غزة، ‏وأخرى في المحافظات الشمالية، حتى نتمكَّن من ‏إعادة ‏الانتخابات، وهذا أقل شيء، فشعبنا الفلسطيني هو ‏مصدر السلطات، ويجب أن ‏يقول ‏كلمته من خلال صناديق الاقتراع.‏
هل سيكون رئيس الحكومة القادمة حزبيًّا أم مستقلّاً؟ وهل هناك شرط دولي إذا ما ‏‏شاركت "حماس" بأن ‏تعترف الحكومة القادمة بـ"إسرائيل"؟
لا يوجد أيُّ شرط دولي لأنَّ "إسرائيل" غير معترفة بنا لكي نعترف بها. أمَّا الأمر الأول، فيُترَك ‏للفلسطينيين كي ‏يتّفقوا عليه، ففي الماضي اتفقوا على أن يكون الرئيس هو رئيس ‏الحكومة ‏وممكن لذلك أن يحصل، أو أن ‏يتَّفقوا على تشكيل حكومة وحدة وطنية تُمثِّل ‏كلَّ الطيف ‏الوطني الفلسطيني.‏
هل حركة "فتح" مستعدة لخوض غمار الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة؟
سواء أكانت جاهزةً أم غير جاهزة، فهذا استحقاق، ويجب أن نكون مستعدين له. وأنا، ‏‏كفتحاوي، أقول إنَّه ‏من بداية الانقسام كان يجب علينا أن نكون قد استعددنا للانتخابات، ‏لأنَّنا نعرف ‏وندرك تمامًا أنَّها الحل ‏الوحيد، وبالتالي على كلِّ الفصائل أن تكون جاهزة بما فيهم ‏حركة "فتح".‏
ما مصير جيل أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات الذين حُرِموا من فرصتهم في ‏التوظيف، ‏وفي الحصول ‏على فرص عمل وتعليم كافية بسبب الانقسام؟
يجب أن تكون لهم أولوية كبيرة في كلِّ شيء، ولكن من الطبيعي أنَّنا لا نستطيع أن نوفِّر ‏للجميع ‏وظائف، ‏إلّا أنَّه لا بدَّ من توفير مشاريع وفرص عمل، ويجب أن يكون هناك إبداع ‏من ‏أجل استيعاب هذا الجيل ‏ليكون بنَّاءً ويخدم المجتمع والوطن.‏
ما رأيكم بما تردَّد عن قرار الرئيس عبّاس القاضي برفع العقوبات وصرف راتب كامل ‏لموظّفي ‏السلطة ‏في قطاع غزة بداية تشرين الثاني المقبل؟
لقد تمَّ تأكيد هذا الخبر من قِبَل أكثر من مسؤول، إذ قالوا إنَّ هناك أمرًا برفع العقوبات عن ‏غزة، ‏خاصّةً ‏بالنسبة لمسألة الخصم من رواتب الموظّفين وجدولة الديون التي تمَّ خصمها لمدة ‏ستة أشهر، ‏وهذا ‏استحقاق طبيعي، وهو ما وعدَ به الرئيس أبو مازن، وهو عندما يعد لا ‏يتأخَّر في تنفيذ وعوده.‏