خاص مجلة "القدس" العدد 341 أيلول 2017

  حوار: عدي غزاوي

    أكثر من عشر سنواتٍ مرَّت على انقسامٍ فصَلَ الضفة الغربية عن غزّة مُخلِّفًا جرحًا عميقًا في تاريخ القضية الفلسطينية. وبعد محاولاتٍ عدّة للَمِّ الشّمل الفلسطيني، وبجهودٍ مصرية حثيثة، اجتمعت حركتا "فتح" و"حماس" مجدَّدًا لتؤكِّدا هذه المرة القرار بطي صفحة الانقسام والمضي نحو الوحدة الوطنية الفلسطينية. وللوقوف على ‏أهمِّ تفاصيل وخطوات تنفيذ اتفاق المصالحة، والحديث عن أبرز الملفات والمستجدّات على الساحة الفلسطينية، أجرت مجلّة "القدس" هذا الحوار مع أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" ماجد الفتياني.

 

ما هي الخطوات التالية لإتمام المصالحة بعد اتفاق حركتَي "فتح" و"حماس"؟

لقد قامت "حماس" بالالتزام بالمتطلّبات الأساسية التي اشترطتها حركة "فتح" في شهر نيسان الماضي، وهي: حلّ ‏الوزارة الموازية أو ‏ما تُطلِق عليه "حماس" اسم "اللجنة الإدارية"، وتمكين حكومة الوفاق من ممارسة مهامها، والموافقة على إجراء الانتخابات الرئاسية ‏والتشريعية. وجاء ذلك بعد جهودٍ من قِبَل الإخوة المصريين، بفعل ما تتمتّع به مصر من خصوصية تجاه هذا الملف كونه كان بيدها منذُ بداية الانقلاب والانقسام، إذ استطاعوا  أثناء وجود المكتب السياسي لـ"حماس" ورئيسه في القاهرة، أن يُقنعوا حركة "حماس" ‏بوجوب إنهاء هذا الوضع، ‏وعودة الأمور في قطاع غزة إلى الشرعية، وإلى المؤسّسة الرسمية الفلسطينية، وضرورة حلِّ جميع ‏الخلافات ‏المتعلّقة بملف المصالحة وَفْقًا لاتفاق القاهرة الذي جرى في شهر أيّار العام 2011. وعلى هذا الأساس، أعلنت "حماس" ‏في ‏بيانٍ أوّلي استعدادها للقبول بالمطالب الثلاثة، وهو ما رحَّبت به اللجنة المركزية لحركة "فتح". وبطلبٍ من مصر، حضرَ وفدٌ من ‏حركة "فتح" للحوار مع "حماس" وإتمام ذلك، وبعدها أعلن رئيس المكتب ‏السياسي لحركة "حماس" الالتزام بالمطالب الثلاثة. وعلى ‏هذا الأساس ستذهب الحكومة إلى قطاع غزة لاستلام مهامها، ‏ولتتمكَّن من تثبيت الهيكل التنظيمي والخِدماتي في قطاع غزة، وبعد ‏ذلك بأسبوع أو‏ عشرة أيام، ستلتقي حركتا ‏"فتح" و"حماس" في قطاع غزة، لبحث الملفات التي وردت في اتفاق القاهرة عام 2011، ‏وبعد أن تُنهي الحركتان لقاءاتهما في القاهرة، سيتمُّ الاتفاق على دعوة الكلِّ الفلسطيني لمشاركتهم، لأنَّنا نسعى إلى ‏مشاركة حقيقية في ‏نظام سياسي مُتعدِّد يشارك فيه جميع أبناء شعبنا الفلسطيني من فصائل ومؤسّسات، بما ‏يضمن حماية مشروعنا الوطني الفلسطيني، ‏مشروع الدولة المستقلّة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

 

ما الذي تمَّ التوافق عليه بالنسبة لملف الموظّفين الذين عيَّنتهُم "حماس" بعد انقلابها، والذي كان من أهم التحدّيات أمام إتمام ‏المصالحة؟

هذه المسألة من صلاحيّات الحكومة، واتفاق القاهرة يشمل بندًا خاصًّا بالموظفين، له علاقة ‏بتشكيل لجنة إدارية لدراسة ملفات جميع ‏الموظفين، ونحن في حركة "فتح"، بقيادة السيّد الرئيس محمود عبّاس، نتعامل ‏مع قطاع غزة كجزءٍ أصيلٍ من هذا الشعب الفلسطيني، ‏فالموظّفون التابعون لمؤسسات دولة فلسطين، سواء أكانوا في قطاع غزة أم‏ في المحافظات ‏الشمالية أم‏ في الشتات، هُم من أبناء ‏الشعب الفلسطيني، وبالتالي الحكومة ستقوم بما عليها لمعالجة هذا الملف الناتج عن الانقسام، ‏وسنرى ما لدى الحكومة من خُطط ‏وبرامج للتعاطي مع كلِّ ‏احتياجات قطاع غزة سواء أكانت وظيفية في قطاع الموظّفين، أو‏ خِدماتية في قطاع الخِدمات، أو‏ أمنية، أو ‏مرتبطة بالمعابر، أو غيرها، اعتبارًا من يوم الثلاثاء 3/10/2017‏.‎

 

ما أهميّة انضمام فلسطين إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول"؟

منظمة "الإنتربول" هي منظمة شرطة عالمية تُساعد الدول في متابعة الجرائم التي تُرتكَب ويفر مرتكبوها المطلوبون لقضائها ‏من ‏دولة إلى أخرى، وبالتالي انضمام فلسطين للشرطة الدولية يُساهم في تعزيز الأمن الداخلي، ويساعد في ‏تعزيز منظومة وعدالة ‏القضاء.  كذلك دورها سيُساعدنا في ملاحقة المجرمين الإسرائيليين الذين ‏يرتكبون جرائم بحقِّ أفراد أو‏ مواطنين فلسطينيين في أيِّ ‏مكان، ويلجؤون إلى دولة الاحتلال للاختباء ‏والاحتماء، وهو ما يتسبَّب في ضياع حقوق مواطنينا.

 

هل بدأت السلطة الفلسطينية بإجراءاتٍ قانونيةٍ عبر "الإنتربول" ضدَّ مطلوبين للعدالة؟

نحن الآن دولةٌ كاملةُ العضوية في "الإنتربول"، ولدى الجهات القضائية الفلسطينية ملفات قانونية ستُتابعها بالتأكيد عبر هذه المنظمة ‏الدولية، لأنَّ واجب الدولة متابعة حقوق مواطنيها أيًّا كانوا وأيًّا كانت الحقوق، وسواءٌ أكان مرتكبو الجرائم إسرائيليين أو‏ غير ‏إسرائيليين.‎

 

كيف تتعاطى السلطة الفلسطينية مع الضغوط الأميركيّة‏ لا سيما أنَّ "الكونجرس" الأميركي أعدَّ 25 مشروع قانون ضدَّ السلطة ‏الفلسطينية؟

لقد مارست الإدارات الأميركية المتعاقِبة هذه الضغوط علينا بشكل أو‏ بآخر أكثر من مرة، منها بعد الانتخابات ‏التشريعية وفوز حركة ‏‏"حماس"، إذ أوقفت في ذلك الوقت كلَّ برامج ‏المساعدات والتقديمات للحكومة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، ولكنّها عادت ‏وتراجعت ‏عن ذلك. وهنا لا بدَّ أن نُؤكِّد أنَّنا لا نرضخ لأيّة تعليمات أو ضغوطات، فنحن مسؤولون عن شعبنا سواء أوقفت الإدارة ‏الأميركية المساعدات ‏أم‏ لم توقفها، وهذا لن يُغيِّر أو‏ يُبدِّل موقف القيادة السياسية، ولن تكون ورقة ضغط سياسية لدفع القيادة ‏للتراجع ‏عن أيٍّ من الثوابت أو‏ الحقوق التي أقرَّتها لنا الشرائع الدولية، هذا موقف واضح وثابت. وقد أوضح السيّد الرئيس محمود ‏عبّاس ‏للرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفنا بهذا الشأن، وبالتالي المسألة منوطة بالجانب الأميركي، وفي حال إقدامهم على ‏إجراءات ضدَّ السلطة، فُهم سيتحمَّلون تبعات ذلك، لأنَّ الخطوة ستُعرقِل العديد من المشاريع المشتركة بيننا وبين الجهات الأميركية ‏المانحة، سواء ‏للمشاريع الإنسانية أو‏ غيرها، ممَّا سيؤثِّر على الأداء الحكومي والسياسات الخِدماتية التي ستتَّبعها ‏حكومة ‏فلسطين ودولة فلسطين والتزاماتها الدولية المختلفة، ولكن بكلِّ الأحوال لن يُؤثَّر هذا من قريب أو‏ ‏بعيد على السياسات والبرامج ‏الثابتة التي تنتهجها الحكومة والسلطة والقيادة السياسية الفلسطينية.‎

 

هل اتَّضحت خطّة ترامب لإحلال السّلام في فلسطين كما تعهَّد؟

حتى الآن لم تُقدِّم الإدارة الأميركية أو‏ الوفود الأميركية التي جاءت إلى رام الله، وعقدَت مع السيّد الرئيس أكثر من 21 اجتماعًا، ‏أيَّ خطةٍ واضحة المعالم، أو‏ أيَّ ورقة مكتوبة لها علاقة بحلِّ الدولتين. بالنسبة لنا، فما نريده ‏هو الالتزام الأميركي الـمُلزِم لإسرائيل ‏بالاعتراف بحلِّ الدولتين واستعدادها للسير وَفْقَ هذا، مع وقف ‏الاستيطان، وإن لم تُعلِن الإدارة الأميركية و"إسرائيل" ذلك، فلن ندخل ‏أيّة مفاوضات حول أيّ عملية سياسية.‎

 

هل ترى الأُفق السياسي الفلسطيني مسدودًا، كما يقول البعض، وَفقًا للظروف الحالية التي تُواجهها السلطة ‏الفلسطينية؟

من غير المنصف القول إنّ الأفق السياسي الفلسطيني مسدود، ولكن ما يجري هو أنَّ بعض الأهداف تتعارض مع أهداف ‏الشعب الفلسطيني من ‏هذه العملية السياسية. فنحن نسعى من خلال العملية السياسية للوصول لحلِّ الدولتين، وإنهاء ‏الاحتلال ‏الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ومعالجة قضية اللاجئين، ولكنَّ كلَّ ما يُطرَح ‏ويُروَّج له اليوم ‏يتضمَّن انتقاصًا من هذه الحقوق الفلسطينية، الأمر الذي يجعل الأفُق السياسي غير واضح المعالم في ظلِّ ما يدور في هذا الإقليم ‏المرتبك، والمشتعل، والممتلئ دمارًا وخرابًا، والذي تنشغل كلُّ دولة فيه بقضاياها الداخلية. إلّا أنَّ ذلك كلّه لا يعني أنَّ الفلسطينيين ‏سيستسلمون ‏لاحتياجات الإقليم وسيرضون بأي حلٍّ ينتقص من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فهذه قضية وطنية بامتياز، ‏ولا ‏أحد من هذه القيادة السياسية التاريخية لديه الاستعداد للانخراط بأيّة عملية سياسية تنتقص من حقوقنا ‏وثوابتنا الوطنية.‎

 

أشار سيادة الرئيس محمود عبّاس في خطابه الأخير إلى إمكانية حلِّ السلطة الفلسطينية إذا لم تتعاون ‏"إسرائيل" في منح الفلسطينيين ‏حقوقهم، فهل هذا الخيار مطروح بشكل جدي؟ وما هي أبعاده؟

ما طرحه السيِّد الرئيس هو رسالة لتحميل المجتمع الدولي والاحتلال الإسرائيلي مسؤولياتهم. فهذا ‏الاحتلال يُمارَس علينا من دون أية ‏كلفة، بل إنَّ "إسرائيل" حتى تحصل على عوائد منه، وتنهب ثرواتنا ‏ومواردنا الطبيعية، وتسرق أموال الشعب الفلسطيني عبر ‏تحكُّمها بالمعابر الدولية. وبالتالي ‏ما دام هذا الاحتلال جاثمًا على صدورنا ومُصِرًّا على رفض التعاطي بالعملية السياسية، فليتحمَّل ‏مسؤوليّاته، وذلك لا ‏يعني أنَّ السلطة ستُدير ظهرها للشعب، وستتنازل عن حقوقها، ولكن هناك استحقاقات على ‏المجتمع الدولي، ‏وينبغي للأمم المتحدة أن تأخذ دورها حتى يزول هذا الاحتلال ويُرفَع الظلم عن شعبنا ‏الفلسطيني. بكلامٍ آخر، حل السلطة لا يعني أن ‏تُدير منظمة التحرير الفلسطينية ظهرَها للشعب الفلسطيني، فالسلطة ‏الفلسطينية والحكومة الفلسطينية وما نتج عن اتفاق أوسلو هو نتاج ‏توافق دولي واتفاقيات انتقالية ما بيننا وبين ‏الجانب الإسرائيلي، غير أنَّ "إسرائيل" تُديرُ الظهر لكلِّ هذه الاتفاقيات الانتقالية، وبالتالي ‏إذا أرادت مواصلة ذلك، فلن يكون لوجود السلطة معنى، وعندها يتمُّ تحويل السلطة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ‏وهي الممثِّل ‏الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والمجلس الوطني الفلسطيني، وهو برلمان فلسطين، فالسلطة قد تغيب عن المشهد السياسي، ‏ولكن ذلك لا يعني تخلي "م.ت.ف" عن مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، وإنَّما تبقى "م.ت.ف" مَن يقود العملية السياسية، ومَن يرعى أمور شعبنا‏، كما كانت تفعل قبل قيام هذه السلطة. فالجميع يعلم ‏أنَّ قرار قبول عضوية فلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة يحمل في ثناياه إقرارًا بكون "م.ت.ف" هي حكومة فلسطين في ‏المنفى، والمجلس الوطني الفلسطيني هو برلمان فلسطين، وبالتالي لا داعي للقلق، لأنَّ حل السلطة وإنهاء دورها لن يؤدِّي بأيِّ حال ‏من الأحوال لإنهاء الوجود الفلسطيني أو إنهاء علاقة الجهات ‏الرسمية الفلسطينية بأبناء شعبنا الفلسطيني سواء أكانوا تحت الاحتلال ‏أم‏ في المنافي والشتات.‎

 

متى سيُعقَد المجلس الوطني؟

نحن لا نُقدِّم ملفًا على آخر، فملف المصالحة ملف مهم ووطني ويُمثِّل تعزيزًا ‏للمشروع الوطني الفلسطيني بمعنى الكلمة، ولكن ملف ‏المجلس الوطني لن يُؤجَّل، وهناك ضرورة للمشاورات بين فصائل "م.ت.ف" ‏كافّةً، وأعتقد أنَّ حركتَي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ‏ستُشاركان أيضًا في هذه المشاورات، للإعداد بشكل إيجابي ‏وجيّد لدورة للمجلس الوطني الفلسطيني، لأنَّ صيانة وحدة "م.ت.ف" ‏وإعادة تفعيلها ‏باتت حاجةً ضروريةً لحماية هذا المشروع وتحصينه.

 

ما ردُّكم على وجهة النّظر التي تقول إنَّ حركة "فتح" لم تَعُد قويّةً كسابق عهدها لقيادة المشروع الوطني‏؟

المتابع الجيِّد لما يجري على الساحة الفلسطينية يعي تمامًا أنَّ كلَّ المؤامرات منذ العام 1982 وحتى اليوم ‏هي موجَّهة بالأساس إلى ‏حركة "فتح" كونها العمود الفقري للثورة الفلسطينية وللعمل الوطني الفلسطيني، ‏بالشراكة مع الاخوة والرفاق في الفصائل الفلسطينية ‏الأخرى. وبالتالي، صحيحٌ أنَّ هناك مؤامرة كبرى على ‏حركة "فتح" لمحاولة تصفية وجودها أو التقليل من دورها ‏ومكانتها التاريخيّة لدى شعبنا ‏الفلسطيني عبر محاولة إيجاد بدائل وأُطر محلّية، ولكن قد ثَبُتَ للجميع بعد كلِّ هذه السنوات أنَّه من ‏غير الممكن  القفز ‏عن هذه الحركة مهما كانت الضغوطات، ومهما كانت الظروف التي تعيشها "فتح" داخل الوطن المحتل أو ‏خارجه. لقد أثبتت حركة "فتح" قُدرتَها على التكيُّف وعلى البقاء، وكما كان ‏يقول الشهيد الرمز ياسر عرفات: "نحن كطائر الفينيق ‏‏(العنقاء) نقوم من الرماد". إنَّ هذه الحركة العملاقة ليست تنظيمًا ‏عَقَديًّا حتى تَفشَلَ برامجُهُ، وإنَّما هي فكرة الثورة المستمرة التي تنتقل ‏من جيل إلى جيل، حاملة فكرة الهُويّة ‏الوطنية، وفكرة الوطن، وفكرة التراب الوطني، وفكرة العَلم الوطني، لذا لا يمكن لهذه الفكرة أن ‏تزول من ‏عقل ووجدان شعبنا الفلسطيني حتى لو ضعف العمل التنظيمي والأداء التنظيمي في فترة ما. وحتى اليوم، ترى جماهير ‏شعبنا ‏الفلسطيني في هذه الحركة صمامَ أمانٍ للمشروع الوطني، وللهُويّة الوطنية الفلسطينية البعيدة عن كلِّ ‏التجاذبات الإقليمية ‏والعَقَدية والفصائلية والحزبية وما شابه ذلك، وبالتالي مهمة حركة "فتح" هي توظيف هذه الفكرة لكلِّ الأجيال القادمة لأنَّ فلسطين ‏باقية، ونحن سنذهب في مرحلة من المراحل.