في مسجد الفرقان بحي الأمل، في محافظة خان يونس، بقطاع غزة المكلوم، يصعد إلى منبر خطبة الجمعة، الجمعة الماضية، داعية حمساوي، ليفتري على خلق الله، وهو يشتم السلطة الوطنية، ويخون أبناء حركة "فتح"، وحين يعترض- وبنقاش لا أكثر- العديد من المصلين على ذلك، يقوم الأمن الحمساوي باستدعاء هؤلاء المعترضين والتحقيق معهم، والأنباء الواردة من هناك تقول إنهم ما زالوا قيد الاستدعاء في سجون "حماس"!! في الوقت ذاته يعلن ناطق حمساوي مرة أخرى، أن جماعته مصرون (..!!) على إجراء الانتخابات، وحريصون أن يسبقها حالة من التوافق لضمان نجاحها!!! ومرة أخرى من الواضح تمامًا أنّ التوافق الذي تريده "حماس"، هو توافق المحاصصة التي تبقي على سجونها في القطاع المكلوم، كي لا تسمع صوتًا معارضًا لها، حتى وإن كان في نقاش مشروع في بيت من بيوت الله، التي هي للعبادة والتقوى، وحسن الكلام الذي يجمع ويوحّد، لا إلى كلام الفتنة والتخوين، الذي يفرق ويشرذم!!

 

ليس ثمّة مفارقة في هذا الإطار، بل هذه هي حقيقة الواقع الحمساوي، سياسةً وفكرًا وسلوكًا، وحيث الانتخابات التي تقول "حماس" إنّها تصر عليها، لا علاقة لها طبقًا لحقيقة واقعها، بالديمقراطية، وهي مع ذريعة التوافق الذي لا تصفه بالوطني، لا تريد سوى الانتخابات التي تكرّس سلطتها القمعية، علمًا أنّ الانتخابات في عقيدة "حماس"، وهي عقيدة الجماعة الإخونجية، ليست إلّا لمرة واحدة!! فإذا ما أجبرت على مرة ثانية، ستعمل جاهدة على أن تكون الانتخابات التي تقودها إلى ما تريد من تكريس للتمكين والتكتيم، على أن هذا أشبه بحلم إبليس في الجنة، إذ لا انتخابات مع شرط المحاصصة، ولا انتخابات دون الامتثال للاستحقاقات السياسية والوطنية والاجتماعية، والشعب كما قلنا وكما يقول الواقع، يريد إنهاء الانقسام البغيض، ولا وسيلة أمامه سوى صندوق الاقتراع، الذي يظن البعض أنَّ الدعوة إليه اليوم محض مناورة، كونه غير ممكن واقعيا بسبب العامل الإسرائيلي والحمساوي معًا، فإسرائيل لن تسمح بوضعه في القدس، و"حماس" لن تقبل به دون التوافق الذي تريد، وينسى هذا البعض، ولعله يتناسى، العامل الوطني الفلسطيني، بشرعيته الراسخة وبقراره الحازم، سيكون بوسعه أن يجترح الحل المناسب، لإزالة هذه المعوقات من أمام صندوق الاقتراع، والشرعية مثلها مثل ماء الينابيع، التي تجد طريقها للسهول والإرواء، مهما كانت هناك صخور وحواجز مانعة.

 

الانتخابات تعني الديمقراطية، والديمقراطية تعني خطاب الحرية، وهذا ما لا تعرفه "حماس" ولا تريد أن تعرفه وهي تعتقل كل من لا يتفق مع خطاب الفتنة الذي تواصل تعميمه في كل موقع ومناسبة وحتى في المساجد التي هي لله ولا تجوز الدعوة فيها لغيره سبحانه وتعالى.