قد نكون من أكثر الشعوب العربية عناية واهتمامًا ليس في إنجازات الأشقاء العرب الديمقراطية وحسب، بل لدى أصدقاء فلسطين، لإيماننا المطلق بأنَّ المجتمعات المتنعمة بحياة ديمقراطية مستقرة وصحيحة أقدر على ربط منهجها السياسي بالحقوق والحريات الانسانية وتحريرها من حدود الجغرافيا.. فمنظومة الشعوب التي تتّخذ الديمقراطية منهجا وعقيدة سياسية هي أقرب إلى قضيتنا من أية نظم سياسية أخرى، وبالتأكيد فإنَّ الدول الاستعمارية المتسلطة التي كانت سببًا في بلاء ونكبات ومصائب الشعوب، ونحن منها ليست في منظور رؤيتنا هذه.

ما تابعناه خلال الاسابيع الثلاثة الماضية، وما رأيناه أول أمس في تونس الشقيقة كان ذروة إنجاز ديمقراطي، أدخل طمأنينة إلى قلوبنا نحن الفلسطينيين ونحن نرى دولة عربية عريقة تضرب مثلاً في تكريس ثقافة تداول السلطة سلميًّا، ونشهد على وجوه مواطنيها الفرح بالوصول إلى خط نهاية سباق وتنافس حر من أجل مصلحة بلادهم.

ربما أصبنا ببعض الغيرة من أشقائنا في تونس ونحن نراهم قد أنجزوا ثالث استحقاق انتخابي خلال ثماني سنوات، الأول في العام 2011 وتبعه الثاني في العام 2014 وأول أمس أتموا إنجاز الانتخابات الرئاسية التي سبقتها في نهاية الأسبوع الماضي انتخابات لمجلس النواب، أصبنا بالغيرة، لأنّ القوة القائمة بالانقلاب في قطاع غزة، فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين المسمى "حماس" ما زالت تغتصب السلطة بقوة الحديد والنار، وتستقوي على الكل الوطني وتعزز سلطتها الانقلابية بتحالفات إقليمية وتفاهمات مع دولة الاحتلال (إسرائيل) وتتمتع بدعم مادي من الجماعة ودول في الإقليم يمكنها من الغي والاستكبار والمضي لتحطيم صورة حياة ديمقراطية نشدناها وكرّسناها واقعًا ماديًّا حقيقيًّا في مجالسنا الوطنية وهيئاتها الرديفة حتى قبل قيام سلطة وطنية للشعب الفلسطيني على ارض فلسطين وبعدها.

تختار الشعوب العربية من تراه قادرًا على تحقيق تطلعاتها وآمالها، ونحن الفلسطينيين نحترم ارادة إخوتنا العرب في دول عمقنا العربي في مشرقه ومغربه، لا نفضل ولا نفاضل، وإنما نعتبر كلمة الشعب كحكم القضاء العادل الذي لا تعقيب على احكامه، فالمنتخب بنظر الشعب وطني، وهو بالنسبة لنا وطني وقومي وعروبي، وفلسطيني أيضًا، لأن الشعوب العربية لن تكون إلّا كذلك، ولن يقف على رأس هرمها السياسي إلّا من يجسد اراداتها ورؤاها فيما خص القضية الفلسطينية، أما وقد سمعنا ورأينا التونسيين مساء الأحد وهم يرفعون أطول نسخة من علم فلسطين في شارع الزعيم الحبيب بورقيبة، ويهتفون( فلسطين حرة حرة. الصهيونية برا برا) و(الشعب يريد تحرير فلسطين) وقد بلغت تصريحات الرئيس المنتخب الدكتور قيس سعيد الذي ذكر أول ما ذكر فلسطين والنضال من أجلها كقضية قومية مركزية، بعد إعلان النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة، فإنَّ ما نقرأه في العقل الجمعي لشعوب الأقطار العربية يعزز ثقتنا بصواب مبادئنا التي أعلناها بداية كفاحنا الوطني وإطلاق ثورتنا المعاصرة، بأنَّ الثورة الفلسطينية فلسطينية الوجه عربية القلب عالمية وإنسانية الأبعاد، وأنَّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، وأنَّ الانتصار لفلسطين سيبقى معيار التحرر والتقدم في الوطن العربي وأبعد من حدوده أيضًا.

 لا ننتظر من تونس أكثر من الاستقرار والنمو والتقدم وإنجاز البرامج الكفيلة بوضعها على سكتها الطبيعية وبمكانتها الحقيقية التي تستحقها بجدارة، أما موضوع التبني للقضية، والمساندة والمواقف، فنحن مطمئنون لها، ولدينا كنز لا ينضب منها، فالذي يعنينا أن تكون تونس مضيف ومحتضن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في أحسن حالات قوتها ومنعتها السياسية، وباقتصادها المزدهر، يتنفس شعبها الشقيق الأمن والسلام، كما كان وأكثر، فهذا السلاح هو ما نريده نحن الشعب الفلسطيني من شعب تونس العظيم، وقواه الحية، وأحزابه، ومجتمعه المدني، ومن مثقفيه وعماله وفلاحيه وشبابه، فما نريده ليس صعبًا ولا مستحيلاً، فبانتصار ثقافة الديمقراطية عند الأشقاء العرب تقترب أكثر لحظة انتصار فلسطين.. لن ننسى أن تونس قربتنا أكثر من طريق العودة إلى الوطن.