إذا أردت أن تعرف من يسيطر على العقل الجمعي، وبالتالي يتحكم به، عليك أن تدقق وتنظر في طبيعة مناهج التعليم، وواقع المرأة فيه، فمن يسيطر على مناهج التعليم والعملية التربوية، وعلى عقل المرأة، هو من يصوغ ويكون وعي الأجيال جيلاً بعد جيل ليتحكم في المحصلة بالمجتمع!!

العملية التعليمية في الوطن العربي، ومنذ عقود طويلة، منذ نهاية ستينيات القرن العشرين، أودعت للإسلام السياسي، وبالتحديد لجماعة الإخوان المسلمين، بالتزامن مع ذلك قام هؤلاء من خلال مؤسسات الدعوة الممولة بسخاء من بعض دول الخليج وبالتعاون مع جهاز المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، بالعمل مع المرأة، وما أن مر جيل أو جيلان حتى احكموا سيطرتهم على العقل الجمعي. التعليم ومناهجه والمرأة هم من يصوغون عمليًّا عقل الفرد والمجتمع، المرأة في البيت ومناهج التعليم والمعلم الاخواني في المدرسة، فماذا كانت النتيجة بعد أكثر من نصف قرن؟ حصر المرجعيات على نحو حزبي بقيم طائفية ضربت وحدة المجتمع بتحريم تعدديته!!

وبعد أن تركنا جماعة الإخوان تتحكم بتعليم أجيالنا نتساءل اليوم أين هو المشروع القومي والوطني النهضوي التحرري الذي يأخذنا نحو المستقبل؟؟ والسؤال الآن على من تقع مسؤولية تحرير العملية التعليمية؟ إنها مسؤولية كل المتنورين الوطنيين الفلسطينيين بكل تأكيد، والتخلي عن هذه المسؤولية سيبقينا في الجانب المظلم، في الماضوية المتحجرة التي تهدد ليس هويتنا الوطنية فحسب، وإنما هويتنا الحضارية والإنسانية ومشروعنا للتحرر والاستقلال.

كل جهد للنهوض بواقع المجتمع، وبواقع المرأة، لن يحقق أهدافه ما دامت العملية التعليمية أسيرة الإسلام السياسي. كل جهد وطني لتعزيز الهوية والثقافة الوطنية لن يحقق أهدافه دون تحرير التعليم من القبضة الاخونجية، ولن ننهض ونبني دولة ديموقراطية عصرية إذا تركنا العملية التعليمية بيدهم.

مضى على تأسيس السلطة الوطنية ربع قرن، كانت هناك جهود للتغيير وصياغة مناهج تنتج إنسانًا معرفيًّا يمتلك عقله، إنسانًا لا يقبل أن يكون جزءًا من قطيع أعمى تأخذه الجماعة الإخونجية إلى حيث تشاء، كانت هناك محاولات الدكتور المرحوم إبراهيم أبو لغد، وغيرها من المحاولات المتنورة، ولكن من الذي أجهضها ومنع استمرارها؟

طالما نسمع ونقرأ عن مدى اهتمام الرئيس محمود عبّاس بالتعليم وتطويره، ولكن لماذا هذه الرؤية النهضوية لم تجد طريقها للتنفيذ؟ علينا أن ندقق من يتحكم بالمناهج في المدرسة، بالمعلم، ليتحكم تاليًا بالمجتمع، لماذا نترك عقولنا، وعقول أطفالنا لقمة سائغة بأيديهم؟؟