سجّلَ التّاريخُ أنَّ مجزرةَ صبرا وشاتيلا قد نفّذَتْها عصاباتُ الانعزاليّينَ القتلةِ في لبنانَ انتقامًا لاغتيالِ قائدِهم بشير الجميّل، وأنَّ المجزرةَ قد تمَّ التخطيطُ لها وتنفيذُها بإشرافِ وحمايةِ ومشاركةِ جيشِ شارونَ انتقامًا لعَجزْهِ عن دخولِ بيروتَ ومخيّماتِها عندما كانَ الفدائيّون بقيادةِ الشهيد أبو عمّار يشكّلونَ بأسلحتِهم البسيطةِ وإرادتِهم الصّلبةِ متراسًا لم يرفعْ رايةً بيضاءَ وحافظَ على كرامةِ الأمّةِ في ملحمةِ صمودٍ استمرّت ٨٨ يومًا. ورغمَ أنَّ الأعداءَ أرادوا من تلكَ المجزرةِ أنْ تهزِمَ الفلسطينيّ وتطغى على أسطورةِ الصّمودِ في بيروتَ، فإنَّ صبرا وشاتيلا سرعانَ ما تحوّلتا إلى رمزٍ لمأساةِ الشّعبِ الفلسطينيّ وجرسِ إنذارٍ يدقُّ مُحذِّرًا من محاولاتِ القفزِ فوقِ حقِّ هذا الشّعبِ بنَيلِ حُقوقِهِ، وأوّلُها حقّهُ بالعودةِ إلى وطنِه.

لقد كانَ لتلكَ المَجزرةِ دورٌ محوريٌّ في تثبيتِ شرعيّةِ النضالِ الفلسطينيِّ وفي استمرارِ الثّورةِ رغمَ تشتّتِ قواتِها وقيادتِها ومؤسّساتِها في منافٍ عديدةٍ بعيدًا عن أرضِ الوطنِ، ولا نبالغُ حينَ نقولُ إنَّ مجزرةَ صبرا وشاتيلا قد وفّرتِ الحمايةَ الأخلاقيّةَ للنّضالِ الفلسطينيِّ ورسَّخت في فكرِ قيادةِ الثّورةِ أهميّةَ نقْلِ ساحةِ الصّراعِ إلى الوطنِ، ومن هنا كانت الانتفاضةُ الأولى، بما مثّلتْهُ من استكمالٍ لملحمةِ الصّمودِ في بيروتَ ونقلٍ للمعركةِ إلى السّاحةِ التي توجِعُ العدوَّ وتُفقِدُهُ تفوّقهُ العسكريَّ وتكشِفُ نقاطَ ضعفِهِ. وبهذا فقد كانت تلكَ الانتفاضةُ هي الترجمةَ الحقيقيّةَ لِما قالهُ الشهيدُ أبو عمّار عندما سُئِلَ، وهو يركَبُ البحرَ مغادرًا بيروتَ إلى المجهولِ، من قِبَل أحدِ الصحفيّينَ: إلى أينَ أنتَ ذاهبٌ؟ فردَّ بإيجازِ الواثِقِ: إلى فلسطين.

الآنَ وبعدَ مرور ٣٧ عامًا على مجزرةِ صبرا وشاتيلا يخوضُ الإسرائيليّون جولةً جديدةً منَ الانتخاباتِ العبَثيّةِ الخاليةِ من محاولاتِ الإجابةِ على التحدّياتِ الحقيقيةِ التي تعجزُ الطبقةُ الحاكمةُ عن الإجابةِ عليها وتهربُ بدلاً من ذلكَ إلى الخطابِ الشعبَويِّ الذي يضمنُ تأييدَ الفئاتِ الأكثرَ تطرّفًا من المستوطنينَ ومعتنقي الفكرِ الصهيونيِّ العنصريِّ. لا يفهمُ الناخبُ الإسرائيليُّ ولا قادتُهُ المتصارعونَ للفوزِ بالحُكْمِ أنَّ ساحةَ الصّراعِ لمْ تعُدْ كما كانت عام ١٩٨٢، فقد ناضلَ شعبُنا عبرَ هذهِ السّنواتِ الطويلةِ ودفعَ ثمنًا باهظًا من أجلِ تحقيقِ هدفِهِ بأن تكونَ فلسطينُ هي ساحةَ صراعِ الإراداتِ مع الفكرِ الصهيونيِّ، وبدلاً من أنْ يُدركَ نتانياهو حقائقَ التّاريخِ ومعطياتِ الحاضرِ نراهُ يغامرُ بطرْحِ مشاريعَ وخططٍ بضمِّ أجزاءٍ من أرضِنا المحتلّةِ، لتكونَ النّتيجةُ هي ظهورُ بوادرِ اصطفافٍ جديدٍ أساسُهُ هو إدراكُ النظامِ العربيِّ الرسميِّ أنَّ الخطرَ الحقيقيَّ يكمُنُ في السياسةِ العدوانيةِ الإسرائيليّةِ، وما دونَ ذلكَ ليسَ سوى غولٍ وهميٍّ تنفخُ في صورتِهِ الإدارةُ الأمريكيةُ لتجعلَ منهُ سدًّا يحجبُ الخطرَ الإسرائيليَّ ويدفعُ العربَ إلى التطبيعِ مع دولةِ الاحتلالِ الاستيطانيِّ الإسرائيليّ.

الموقفُ الفلسطينيُّ الرسميُّ والشعبيُّ هو رافعةُ الصمودِ الحقيقيّةُ أمامَ المخطّطِ الإسرائيليِّ الأمريكيِّ الذي يستهدفُ فلسطينَ مثلما يستهدفُ الوطنَ العربيَّ بحروبهِ المتتاليةِ ما نتجَ عنها من دمارٍ وخرابٍ وتفتيتٍ للأوطانِ واختلاقٍ لصراعاتٍ وهميّةٍ. ولنْ يتمكّن الفائزُ في الانتخاباتِ الإسرائيليّةِ أن يتجاوزَ الحقائقَ التي يفرِضُها هذا الصّمودُ، فنحنُ شعبٌ غيرُ قابلٍ للهزيمةِ، وعلى مَن يشكُّ في ذلكَ أن يتّعظَ من محطّاتِ الصرّاعِ التي تُشكِّلُ مجزرةُ صبرا وشاتيلا واحدةً منها.

*في ذكرى مجررةِ صبرا وشاتيلا على نتانياهو أنْ يُدرِكَ أنّهُ لن يحقّقَ في الأغوارِ الفلسطينيّةِ أو في الخليلِ ما عجزَ عن تحقيقِهِ شارون وجيشُهُ وحلفاؤهُ الانعزاليّونَ في بيروتَ ولا في مخيّمَي صبرا وشاتيلا، فنحنُ شعبٌ غيرُ قابِلٍ للهزيمة.

١٧-٩-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان