تختصرُ هذهِ الآيةُ الكريمةُ أسلوبَ التّعامُلِ معَ الأخبارِ الكاذبةِ والشائعاتِ التي تطغى اليومَ على الحقيقةِ وتشوّهُ الواقعَ بشكلٍ متعمّدٍ وضمنَ توجّهٍ منظّمٍ يهدِفُ إلى تعميمِ اليأسِ وفرضٍ روايةٍ ملفّقَةٍ تشملُ كلّ نواحي الحياةِ وكلَّ الأشخاصِ الذينَ يؤدّونَ مهامَّ ووظائفَ بغضّ النّظرِ عنْ مستواها وأهميّتها.

قفَزَت هذه الآيةُ إلى ذهني وأنا أتابعُ الجدلَ الدائرَ حولَ تصريحاتٍ نُسِبَتْ إلى رئيسِ بلديّةِ كوبر الأخ عزّت بدوان والتي ادّعى مروّجوها أنه قد أشادَ فيها بقوّةِ الجيشِ الإسرائيليّ ومخابراتِ الاحتلال. لا يتّسعُ المقامُ هُنا لسردِ تفاصيلِ الحادثةِ بقَدْرِ ما يتطلّبُ الوقوفَ أمامَها كمثالٍ مصغّرٍ يختزلُ الحربَ الإعلاميّةَ التي تشنُّها جهاتٌ عديدةٌ لتشويهِ صورةِ المجتمعِ الفلسطينيّ على كلِّ المستويات.

المصدرُ الرئيسُ للخَبَرِ هو تلفزيون العدوِّ، وعلى هذا المصدرِ "الموثوقِ" اعتمدتْ شبكةُ قُدس "الموثوقَةُ والمحايدةُ" في الشأنِ الفلسطينيِّ وهي تكيلُ الاتّهامَ للأخ بدوان، ثُمَّ اكتملتْ دائرةُ تطبيقِ الإشاعةِ واعتبارِها حقيقةً لا تخضعُ للمجادلةِ عندما انهالت الاتّهاماتُ والأصواتُ المطالِبةُ بمحاسبةِ رئيسِ البلديةِ وإقالتِه.

 

لا أعرفُ رئيسَ بلديّةِ كوبر، لكنّني أعرفُ البلدةَ وحضورَها الدّائمَ كشوكةٍ في َحلْقِ الاحتلالِ ومِخرَزٍ فلسطينيٍّ في عيونِ المستوطنينَ، ولا يُمكِنُ أنْ ينتخبَ أهلُ هذهِ البلدةِ-القلعةِ رئيسًا لهُم لا يكونُ وفيًّا لتاريخِهم وحارسًا لقلعتِهم، لذلكَ لم يكنْ هناكَ أدنى ضرورةٍ للتوقُّفِ عندَ أخبارِ وكالةِ "قدس" المشبوهةِ ومصدرِها -تلفزيونِ العدوِّ المشبوهِ بشكلٍ أكبر. وفي هذا السياقِ لا بدَّ من التأكيدِ مُجدَّدًا أنَّ مقاومةَ الإشاعةِ والكذبِ لا بدَّ أنْ تستندَ إلى تحصينِ الذّاتِ ورفعِ مستوى الوعيِ واستخدامِ المقاييسِ الصحيحةِ للحُكْم على كلّ ما يقعُ بينَ أيدينا. فالمعنى الحقيقيُّ لفعلِ الأمرِ "تبيَّنوا" هو التدقيقُ قبلَ إصدارِ الأحكامِ وانتظارُ تَبدُّدِ الغبارِ المرافقِ للخبرِ الكاذبِ. ولا يمكن لنا أنْ "نتبيّنَ" ونفرّقَ بينَ الغثِّ والسّمينِ دونَ أنْ نمتلكَ القُدرَةَ على استخدامِ ما لدينا منْ تجربةٍ غنيّةٍ لتعزيزِ مناعتِنا الفرديِّةِ والجماعيِّةِ أمامَ المحاولاتِ الدؤوبةِ لتعميمِ ثقافةِ الإحباطِ واليأسِ والكُفرِ بكلِّ ما حولَنا، لأنَّ نجاحَ هذهِ المحاولاتِ هو أقصرُ الطُّرُقِ إلى هزيمتِنا.

 

*تمهّلْ قليلاً قبلَ أنْ تُطلِقَ حُكْمًا متسرّعًا يسيء لأخيكَ، فمِنْ حقِّ أخيكَ عليكَ أنْ ينامَ وهو مطمئنٌّ أنّكَ ساهرٌ على حمايةِ سُمعتِهِ وحياتِهِ وكرامتِهِ، وإلّا ستكونُ أنتَ شريكًا في إدخالِ الأفاعي إلى بَيْتِ أخيكَ، بَيْتِكَ أنْتَ!

 

٢٧-٨-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان