خاص مجلّة القدس العدد 355| تقرير: محمد الذهبي
 ما زالت تهديدات الاحتلال الإسرائيلي بالعودة إلى التصعيد العسكري ضد قطاع غزّة تتراوح ما بين الوعيد والترقُّب منذ جولة التصعيد الأخيرة التي انتهت في العاشر من أيّار الماضي باتفاق تهدئة. وقد تعدَّدت التحليلات حول الاتفاق، ولكنَّ كثيرين رأوا أنه اتفاقٌ هش، يسعى الاحتلال من خلاله لكسب مزيدٍ من الوقت لا أكثر.

(إسرائيل) تحاول المماطلة عبر الإيهام بالتهدئة
يعتقدُ الكاتب والمحلّل السياسي الفلسطيني د.هاني العقّاد أنَّ التهدئة بين (إسرائيل) و"حماس" لم تُثبِت جديتها، ويقول موضحًا لمجلّة "القدس": "هذه تهدئة تكتيكية لكسب الوقت من أجل التعامل مع المقاومة في قطاع غزّة، ولو أنَّ (إسرائيل) كانت تعتبرها تهدئةً حقيقيةً في سبيل حل مشكلة قطاع غزّة لدخلت في مراحل التهدئة المختلفة التي تحدّثت عنها، ولكنَّ الحديث حتى الآن يدور حول مجرَّد تسهيلات كان بالإمكان الحصول عليها بأي شكلٍ من الأشكال بعيدًا عن تضخيم التهدئة وتهويل الحديث عنها ما بين الطرفين، لذلك لا نتوقَّع أن يكون هناك التزام إسرائيلي كبير بالموضوع، لأنَّ (إسرائيل) تسعى من خلال التهدئة لتدجين المقاومة والحصول على كلِّ شيء من حركة "حماس" دون أن تعطيها شيئًا بالمطلق".
ويضيف: "كلُّ ما تطرحه (إسرائيل) الآن من تسهيلات تستطيع العودة عنه بإشارة صغيرة جدًّا، والجميع رأى أنَّها كلّما وسَّعت مساحة الصيد خمسة عشر ميلًا بحريًّا خرج منسّق شؤون المناطق بقرار يعيد المساحة إلى ستة أميال أو ثمانية، وكذلك حال البضائع والمعابر، وللأسف هذا ما حصلت عليه المقاومة الفلسطينية حتى الآن".
ويوضح العقّاد: "بالنسبة للمعابر مثلاً، قرَّرت (إسرائيل) فكَّ الحظر عن ثمانية عشر صنفًا والسماح بإدخالها للقطاع ولكنّها لم تدخل أيًّا منها حتى اللحظة، وإنَّما وعدت التجار بذلك فقط! بالتالي هذه دلائل على أنَّ (إسرائيل) تتعامل مع موضوع التهدئة على أنَّه موضوع تكتيكي يُمرّر الوقت للتجهيز لمعركة كبيرة إلى حين حصولها على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية. وبرأيي هذا الأمر يتعلّق بقرار سياسي لبدء المعركة التي أعتقد أنهّا ستكون كبيرة إن لم تحقّق (إسرائيل) ما تُريد من المقاومة الفلسطينية بالمجان، وهذا أمرٌ خطيرٌ جدًا".
أمّا عن موقف المقاومة من التفاهمات التي تخلَّت (إسرائيل) عن تنفيذها فيقول: "هذا يُعيدنا إلى سؤال مَن الذي سيُفجِّر المعركة أولاً؟ المقاومة الفلسطينية أم (إسرائيل)؟ فعندما تجد المقاومة نفسها أمام تفاهمات وهمية تشرع بالتهديد عبر القنوات الإعلامية، ثُمَّ تبدأ بالتصعيد، فيتدخَّل الوسطاء ويعودن إلى دائرة التفاهمات من جديد، وأعتقد أنَّ الدخول في هذه الدوامة أكثر من مرة يصبح ظاهرة ضارّة بالمقاومة تعتاد عليها (إسرائيل)، وبالتالي تُدجَّن من خلالها المقاومة".
وحول مدى إمكانية إلزام الاحتلال بأيّة تفاهمات متبادَلة يؤكّد العقّاد أنَّ هذه التفاهمات يجب أن تنعقد ضمن إطار فلسطيني وطني شامل من أجل إلزام حقيقي لإسرائيل بها، وليس من خلال فصائل مُنفرِدة، ويردف: "منظمة التحرير الفلسطينية رعت كلَّ ما دار الحديث عنه من تفاهمات سابقًا، وحتى الممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزّة، وكانت هناك لجنة أفرزتها القيادة الفلسطينية مثَّلت القيادة وفصائل المنظمة و"حماس" وفصائل العمل الإسلامي، فلماذا نتحدَّث الآن عن تفاهمات منفردة وبعيدة عن إطار منظمة التحرير؟".
ويتابع: "حتى نضمن الالتزام الإسرائيلي، وأن تكون التفاهمات جديّة لا تتلاعب بها (إسرائيل)، يتطلَّب الأمر موقفًا فلسطينيًّا موحَّدًا، ولا يستدعي إدخال الوسطاء المصريين عند كلِّ مرحلة. ونحن نلاحظ أنَّنا وصلنا الذكرى الخامسة لعدوان 2014م، وما زلنا نتحدَّث عن تفاهمات التهدئة، وبالتالي بتنا نستطيع يومًا بعد يوم أن نقرأ ما تتطلَّع إليه (إسرائيل)، فهي لا تريد تفاهمات جدية ولا تريد كسر الحصار عن غزّة، بل تريد أن يبقى قطاع غزّة منفصلاً سياسيًّا وجغرافيًا عن الضفة الغربية، وأن تبقى المقاومة الفلسطينية في أضعف حالاتها ولا تُصعِّد أو تبدأ المعركة".
ويُشير د.العقّاد إلى أنَّ صيغة التهدئة الحالية هي صيغة الهدوء مقابل الهدوء ذاتها، مع تدعيمها ببعض التسهيلات التي رأى أنَّها لا ترتقي لمستوى تسهيلات كسر الحصار، وإنَّما تأتي في سبيل شراء صمت المقاومة عن المعركة التي أكَّد الإسرائيليون مرارًا أنَّها قادمة.
ويُنوّه إلى ضرورة عدم الاستهانة بتهديدات الاحتلال الإسرائيلي، مستطرِدًا: "هذه التهديدات تحمل رسائل بأنَّكم إذا ذهبتم نحو التصعيد سنذهب نحو حرب واسعة، والجميع يدرك أنَّ المقاومة الفلسطينية ليست معنية بخوض حرب في المرحلة الحالية، وكذلك (إسرائيل)، لذا يجب أن لا نستغرب من جولات تصعيد تدور بين فينةٍ وأخرى من أجل تحسين شروط تفاهمات التهدئة وتحسين موقف كل طرف وتحقيق تفاهمات أخرى، وأرى أنَّ هناك إجماعًا فلسطينيًّا على أنَّ التفاهمات عبارة عن وهم ووقت مستقطع أكثر من كونها تفاهمات حقيقية".
ويتابع: "الاحتلال الآن لا يريد سوى أن يُفكِّك المقاومة الفلسطينية حلقة حلقة من خلال الأموال التي يوعز بدفعها إلى حركة "حماس"، وعبر بعض الإجراءات التي يُقدِّمها على أنَّها تسهيلات كبيرة جدًا وهي ليست بذلك الحجم أبدًا، بل إنَّها ليست سوى عملية تحريك لبوابّات حصار قطاع غزّة. فتارة تتّسع مساحة الصيد وتارة يُغلَق المعبر، وحينًا تُقلَّص كمية الكهرباء وحينًا آخر تتوقَّف التحويلات الطبية، وحتى محطّة الطاقة التي سيجري إنشاؤها على حدود قطاع غزّة، للأسف وضعوها داخل الخط الأخضر كي يسهل لهم التحكُّم بها ووقفها وتشغيلها متى شاؤوا، فـ(إسرائيل) تتعامل معنا وفق نظام البوابات، متى تشاء تفتح السجن ومتى تشاء تغلقه، وإذا كانت هناك نيّة حقيقية لحلِّ الأمر يجب أوّلاً إنهاء واقع كون قطاع غزّة سجنًا، سواء بواسطة ميناء أو مطار أو أي وسيلة، ويجب أن يكون هناك ارتباط وثيق جدًّا لنا مع العالم ومع الضفة الغربية، فنحن لا نبحث عن بعض التسهيلات وبعض البضائع ومساحات الصيد والأسماك!".

فلنُعِد توجيه البوصلة نحو القضايا الوطنية الكبرى
يأسَف د.هاني العقّاد لتراجع أولوية القضايا الوطنية الكبرى لحساب قضايا ثانوية وذات علاقة بالهموم اليومية، ويقول: "للأسف، لقد نجحت (إسرائيل) في تحويل وحرف بوصلة المقاومة الفلسطينية عن القضايا الكبرى وعلى رأسها قضية القدس واللاجئين وحق العودة والحدود والأسرى والمياه إلى متطلّبات الصمود الذاتي والبقاء لأطول فترة ممكنة من دون الانهيار السياسي".
ويضيف: "لا أعرف حقيقةً لماذا لا تهتم المقاومة بقضية القدس أكثر من ذلك؟! لقد كانت هناك مواضيع حسّاسة جدًا احتاجت أن تكون للمقاومة كلمة فيها، إلّا أنّها كانت تخرج ببعض الخطابات والتصريحات دون أن نلمس أيَّ ردّ فعل حقيقي على أرض الواقع".
ويردف: "لا يجوز أن نستخدم الصواريخ والطائرات المسيّرة وغيرها من أجل تحسين شروط التهدئة في قطاع غزّة وكسر الحصار وإدخال الأموال القطرية فقط، هناك قضايا كبرى يجب الانتباه لها، ويجب أن نعطيها الأولوية، وهذا موضوع مُقلِق استراتيجيًّا. فهناك أمور كبيرة جدًا تُهدّد القضية الأساسية كقضية نفق سلوان، والأسرى الذين يخوضون الإضرابات، وتهويد القدس، وهذه قضايا يجب أن تكون في خط المواجهة مع (إسرائيل) من جديد بأي شكلٍ من الأشكال كي لا نبقى خاسرين، وهذا أمرٌ شديد الخطورة لأنَّ (إسرائيل) والولايات المتحدة تتشدّقان اليوم بأنّه لم يعد هناك صراع سياسي أو احتلال، وإنَّما نزاع في بعض المناطق، وذلك بسبب تضييعنا لقضايانا الأساسية".
ويختم حديثه بالتأكيد على أنَّه من أجل أن نواجه ونذهب إلى القضايا الوطنية المصيرية أكثر من القضايا الإنسانية والقضايا المرتبطة بالحياة اليومية، يجب علينا إعادة تنظيم المواجهة وتوحيدها، مُتسائلاً: "ما الذي يمنعنا من أن نوحِّد صفوفنا وأن ندعو حكومة د.محمد اشتية للمجيء إلى غزّة وتولي مهمّاتها بشكلٍ كامل؟! لتكن هناك شراكة حقيقية وتمثيل سياسي وطني حقيقي من الكل الفلسطيني، ولتكن هناك مواجهة كبيرة جدًّا لمشروع صفقة القرن ولكلِّ ما يتم تمريره لغاية الآن".