لا يوجَدُ في تاريخِ الإمبراطوريّةِ الأمريكيّةِ حالةٌ واحدةٌ تعرَّضتْ فيها إدارَتُها للمقاطَعةِ إلّا في الحالةِ الفلسطينيّةِ، فقد دأبتْ أمريكا على فرْضِ العقوباتِ بمُختَلفِ أصنافِها على دُوَلِ العالَمِ ومنظّماتِهِ وأحزابِهِ، وفي كلِّ مرّةٍ كانَ رَفعُ العقوباتِ غايةً بحدِّ ذاتِها تكرِّسُ لها الدولُ المعنيّةُ جُلَّ جُهدِها وإمكانيّاتِها، وتتعامَلُ معَ الفَكاكِ منها وكأنَّهُ نصرٌ مبين. فما الذي يَجعلُ فلسطينَ حالةً تتمرَّدُ على "تراثِ" الصَّلَفِ الأمريكيِّ وتقلِبُ معادلةَ العلاقةِ بينَ الدولةِ الأولى في العالَمِ ودولةِ فلسطينَ الواقعةِ تحتَ الاحتلال؟

 

قرارُ القيادةِ الفلسطينيّةِ بمقاطعةِ إدارةِ ترامب جاءَ كردٍّ فوريٍّ على اعترافِ هذهِ الإدارةِ بالسيّادةِ الإسرائيليّةِ على القُدسِ المحتلّةِ، وهو قرارٌ تعاملَ معهُ الشّعبُ الفلسطينيُّ وقيادتُهِ كإعلانٍ سافرٍ بالانحيازِ الكاملِ للاحتلالِ الاستيطانيِّ الإسرائيليِّ وتنكُّرٍ مُطلَقٍ للحقوقِ الفلسطينيّةِ الثابتةِ والمشروعةِ والمُتطابِقةِ معَ القانونِ الدوليِّ وقراراتِ الشرعيّةِ الدَّوليّة. وقدْ تجلّت أهميّةُ هذهِ المقاطعةِ عندما نظّمتْ أمريكا ما سُمّيَ بورشةِ المنامةِ، حيثُ أفرغَها الموقفُ الفلسطينيُّ منْ أيِّ مَضمونٍ وحوّلها إلى مهزلةٍ سياسيّةٍ لمْ تُحقِّقْ أيَّ هدفٍ من الأهدافِ التي سعتْ إليها الإدارةُ الأمريكيّةُ وحكومةُ نتانياهو. ونستطيعُ القَوْلَ أنَّ الرئيسَ ترامب وطاقمَ مستشاريهِ الحريصينَ على مصالحِ المستوطنينَ أكثرَ منْ حرصِهِم على مصالحِ بلدِهم قدْ فهِموا مغزى الرسالةِ الفلسطينيّةِ جيّدًا، والتي يمكِنُ تحديدُها بجملةٍ واحدةٍ: فلسطينُ هيَ الرّقَمُ الصّعبُ في معادلةِ المنطقة.

 

ندرِكُ أنَّ أمريكا لنْ تتراجعَ عن مواقفِها العدائيةِ ضدَّ شعبِنا، ولنْ تتردّدَ في استخدامِ كلِّ ما لديها من وسائلِ الضّغطِ لابتزازِ الموقفِ الفلسطينيّ، هكذا نفهمُ مشاركةَ مسؤولينَ أمريكيّينَ في اقتحامِ المسجدِ الأقصى جنبًا إلى جنبٍ معَ المستوطنينَ الصّهاينةِ وبحمايةِ شرطةِ الاحتلالِ، وفي السياقِ ذاتِهِ تأتي محاولاتُ اختراقِ المجتَمعِ المدنيّ الفلسطينيِّ، تارةً تحتَ ستارِ التواصلِ معَ رجالِ الأعمالِ، وتارةً أخرى عبر محاولةِ ترتيبِ لقاءاتٍ معَ الصّحفيينَ والشبابِ وغيرِهم من مكوّناتِ الإجماعِ الوطنيِّ الدّاعمِ لموقفِ القيادةِ السياسيّةِ. ومثلما تصطَدمُ أمريكا بالمقاطعةِ الفلسطينيّةِ الرسميّةِ، فليسَ منَ الغريبِ أنْ تُقابَلَ محاولاتُها الهادفةُ إلى شقِّ الإجماعِ الوطنيَّ الفلسطينيّ بالرّفْضِ الشعبيِّ المُطْلَق..

 

لمْ تكنْ لدينا أوهامٌ بأنْ تُغيّرَ المقاطعةُ الفلسطينيّةُ موقفَ إدارةِ ترامب المُعادي لحقوقِ شعبِنا، لكنّنا على قناعةٍ تامّةٍ أنَّ الموقفَ الفلسطينيَّ قد حالَ خلالَ العامَيْن الماضيَيْنِ دونَ إقدامِ أمريكا على طرْحِ خطّتها بشكلٍ رسميّ. 

 

*فلسطينُ لا تملكُ النّفطَ ولا البوارجَ أو القنابلَ النوويّةَ، لكنّها تملكُ الإرادةَ والشّجاعةَ الكافيةَ لتقولَ لأمريكا: "لا".

 

٢٢-٨-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان