ليسَ منْ قَبيلِ الصُّدفةِ أنْ تعتني المنظّماتُ والأحزابُ والحركاتُ الثوريةُ بتَثقيفِ أعضائها وبتعريفِهِم بأنظمتِها وبرامجِها وحثّهِم على متابعةِ الأحداثِ ومناقشتِها وتحليلِها، فقد تجاوزَت الصّراعاتُ الحديثةُ حقبةَ الارتجالِ والشجاعةِ الفرديّةِ رغمَ أهميّتِها، ولعلّ أحدَ أهمِّ الأسبابِ وراءَ ذلكَ هو التطوّرُ الإنسانيُّ الشاملُ وسهولةُ الحصولِ على المعلومةِ لِمَنْ يرغبُ بذلكَ، ويكفي أن نعلَمَ أنّ أيّ تلميذٍ في مَدْرسةٍ متوسطةٍ لديهِ إلمامٌ بعِلمِ الفيزياءِ يفوقُ أضعافَ ما كانَ يملِكهُ إسحاق نيوتن "مكتشِفُ" قانونِ الجاذبية، لكنَّ الفارِقَ بينَ التلميذِ المعاصِرِ ونيوتن هو إلمامُ الأخيرِ بعُلومِ عصرِهِ، واستخدامُها لتكونَ أداتَهُ في إخضاعِ الطبيعةِ للفَحصِ العلميِّ واستخلاصِ النتائجِ وصياغةِ القوانينِ التي تضبطُ حركتَها. 

 

لا جدالَ في أنَّ الشجاعةَ هي واحدةٌ منْ أهمِّ الصفاتِ التي تَجعلُ الفردَ مميّزًا ومؤهّلاً للقيامِ بالمهامِّ الصعبةِ والتكليفِ بشَغْلِ المواقعِ المتقدّمة، إلّا أنَّ الشجاعةَ وحدَها لم تعُدْ كافيةً لحَسْمِ الصراعاتِ والوصولِ إلى تحقيقِ الهدفِ بأقلِّ الخسائر. فقد أدّى التطورُ المتسارعُ في المجالاتِ كافّةً إلى رفْعِ سقفِ الاحتياجاتِ التي يجبُ توفيرُها للحركات السياسيةِ والثوريّةِ حتى تكونَ قادرةً على تحصينِ نفسِها ضدّ طوفانِ الأخبارِ الكاذبةِ والشائعاتِ وحملاتِ التضليلِ. وَحدَهُ المناضلُ المثقّفُ والغنيُّ بكلِّ صنوفِ المعرفةِ هو الذي يتمتّعُ بالحصانةِ اللازمةِ للصّمودِ في وجهِ الكذبِ، وهو القادرُ على صياغةِ الردّ المناسبِ وتفنيدِ الأكاذيبِ ورَفعِ مناعةِ الشعبِ دونَ أنْ ينتظرَ تعليماتٍ أو إرشاداتٍ من مسؤوليه.

 

لا بديلَ عن الاهتمامِ بالثقافةِ الفرديةِ والجماعيةِ لتحصينِ البناءِ الداخليّ ضدَّ الأخطارِ الخارجيّةِ، ولا بدَّ من الإقلاعِ عن الاكتفاءِ بالمَعرفةِ السّطحية بالشؤونِ العامّةِ بما في ذلكَ القضايا الجَدَليةِ والتي يُمكِنُ للجاهلِ اعتبارُ الخوضِ فيها نوعًا من الكماليّاتِ أو مظهرًا من مظاهرِ الترَفِ. ولا بدَّ منَ امتلاكِ المعرفةِ الكافيةِ للإلمامِ بأساسيّاتِ علمِ الاجتماعِ وعلمِ النفسِ وغيرِهما من العلومِ الضروريّةِ لفَهْمِ ثقافةِ الشّعبِ والعملِ على تطويرِها ونَبْذِ ما علِقَ بها منْ شوائبِ الخُرافاتِ والأساطيرِ والعاداتِ والتقاليدِ التي يُشكّلُ الجهلُ غذاءها الوحيدَ وحليفَها الأكبرَ، والتي تقفُ حَجرَ عَثرةٍ أمامَ مسيرةِ التطوّرِ واحترامِ الآخرِ والالتزامِ بالقانونِ وتغليبِ المَصلحةِ العامةِ على الغرائزِ والتقوقعِ داخلَ شرنَقَةِ العشائريةِ والمناطقيّة بكلِّ ما تمثّلانِهِ منْ نقيضٍ للمجتمعِ المتماسِكِ والمتمسّكِ بحقوقِه وأهدافِهِ وما توافَقَ عليهِ منْ قضايا الإجماعِ الوطنيّ.

 

*المعرفةُ هي نِصْفُ الشّجاعةِ، والجاهلُ مَهزومٌ لا مَحالة

 

١٤-٨-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان