يامن نوباني

قبل أن تحط قدماه في فلسطين، قادما من ألمانيا للمشاركة في ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية، الذي عقد في الفترة ما بين 8-12 من الشهر الجاري، كتب على حسابه على "الفايسبوك": "إلى فلسطين.. إلى القدس".. وبعد وصوله واستعداده للتوجه إلى القدس للمشاركة بندوة ثقافية في المكتبة الخالدية، كتب: "القدس موعدنا".. دون أن يتبدل شيء خلال زيارته، حيث نشر صورة كتب فوقها: في القدس.

الكاتب والصحفي السوري_الكردي جان دوست، المولود في مدينة عين العرب (كوباني) في حلب بسوريا عام 1966، يقول لـ"وفا": لم أجد وصفا يليق حين دخلت في باحات المسجد الأقصى، ووقفت متأملا قبة الصخرة الذهبية اللامعة تحت سماء القدس الصافية، ووقعت تحت تأثير وسحر المدينة بكل ما فيها، فكتبت "في القدس".

القدس كمدينة في الذاكرة، مرتبطة عندي بتاريخ طويل من الاعتداءات، فقد استفزني جدا المشهد المسلح للجنود الاسرائيليين في أسواق المدينة وعلى أبوابها وأزقتها، يسألونك في كل مكان عن هويتك ووجهتك، الأسواق في القدس القديمة قادمة من تاريخ عميق موغل في القدم، يؤكد دوست.

ويضيف: في الأقصى، شعرت بروح المكان الكئيبة، الحزينة، والمعاتبة، اختلطت المشاعر في داخلي، ودار بيني وبين الأقصى حوار قصير، قبل أن أدخل الأقصى من أحد ابوابه، اعترضني جندي اسرائيلي من الفلاشة، وهذه مفارقة، فأنا ابن هذه المنطقة، أنا ابن صلاح الدين الايوبي، أنا المسلم والكردي والشرق الاوسطي أريد أن اذهب الى احدى مقدسات المسلمين كمسلم، يمنعني جندي قادم من الحبشة لا يعرف معنى هذا المكان ولا تربطه به اية أواصر، قلت هذه مفارقة عجيبة كيف هو يسمح لي، هو يسألني، هو يصدر لي تصريح للدخول، كان يجب أن يحدث العكس، أكون أنا على الباب ويأتي أحدهم من الحبشة وآذن له بالدخول.. هذه الافكار دارت في راسي قبل ان ادخل، القدس التي تربينا على احتلالها في النكسة وكيف تغنى بها العرب وتركوها نهبا للغزاة ولم يفعلوا لها سوى قراءة القصائد وبعض التصريحات أمثال: القدس عروس عروبتنا وأنها قدس الأقدس.

يتابع: سررت جدا بزيارة القدس، هذه الزيارة ستحفر عميقا في الذاكرة وليست كزيارة أي مدينة، زرت مدن عديدة في اوروبا، مدن عريقة وجميلة جدا براغ مثلا وهي من أروع المدن في اوروبا لكن لم أشعر تجاهها بهذا الانجذاب، لم تجذبني روحيا كما جذبتني القدس.

ويضيف: تعرفنا على فلسطين ونحن اطفال، من خلال مآساة فلسطين، وليس من خلال أن فلسطين وطن وشعب ودولة مثل باقي الدول، لم نعرف فلسطين إلا من خلال هذه الزاوية التي ترصد مآسي الفلسطينيين من النكبة إلى النكسة، من خلال النزوح واللجوء والمخيمات والتشتت والحروب التش شنت ضدهم، طبعا هذه الصورة غير كاملة، فلسطين هي ثقافة وشعب وتراث، أرض وتاريخ، هذا ما كان نجهله عن فلسطين في الحقيقة، اختصرت فلسطين عندنا وفي باقي الدول العربية بالمآساة، كنت أحلم بزيارة فلسطين، لكن لم أكن أتوقع أن يتحقق الحلم في يوم من الأيام، شاهدت قليلا من ملامح فلسطين التراثية والثقافية والجغرافية واعجبت بها، وطن جميل، وطن يستحق النضال والتشبث بالأرض كما يفعل الفلسطينيون.

ويؤكد دوست: أشياء مشتركة كثيرة بين الكرد والفلسطينيين، جميل جدا ان التقي بالمثقفين الفلسطينيين، طبعا نحن تعرفنا إلى الثقافة الفلسطينية من خلال المآساة الفلسطينية، قرأنا شعر محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وروايات اميل حبيبي، وسحر خليفة، كل هؤلاء صوروا فلسطين كحالة مآساوية فقط لا غير، الآن نشاهد فلسطين شبه دولة قائمة ومؤسسات وشعب حي صاحب حق.

دوست كتب في عام 2015، مقالا لمناسبة النكبة، روى فيه: في سنتي الجامعيّة الأولى اشتريت سلسلة فضية تحمل خارطة صغيرة لفلسطين وضعتها في عنقي متباهيًا بأنني تقدّميّ يساريّ أتضامن مع "قضايا الشعوب"، مستعيضًا بذلك من التعبير عن وجعي الكرديّ الخاص، فجاءت آهاتنا فلسطينيّة على شكل عتابا وأوف وميجنا، لم تكن تلك السلسلة الفضية إلا تعبيرًا بسيطًا عن تعلّقي بقضية شعب مظلوم تعرض للمجازر والتهجير القسريّ وحتى الدم المسفوح ورائحة التراب، لقد كنّا نحن الكرد، نشعر بأنّ فلسطين هي فتماهينا معها، غنّينا لها، بكينا حين سمعنا قصص النكبة والتغريبة الموجعة والمخيمات والتشرّد، قرأنا قصائد محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وقصص غسان كنفاني وروايات إميل حبيبي وكأنّ هؤلاء يكتبون عنّا وعن وجعنا.

دوست عمل في الصحافة منذ عام 1988، مراسلا وكاتبا ومحررا، درس العلوم الطبيعية في جامعة حلب بين العامين 1985 و1989، نشر عشر روايات ترجم بعضها إلى التركية، والعربية، والايطالية، وقام بترجمات عديدة وله ثلاث مجموعات شعرية.

حصل على العديد من الجوائز في مجالات القصة القصيرة في سوريا عام 1993، وجائزة الشعر الكردي في ألمانيا عام 2012، وجائزة الكتاب الشرقي في الفكر والابداع عن مجلة دمشق في لندن عام 2013، وجائزة حسين عارف للابداع في اقليم كردستان عام 2014.

يقيم في ألمانيا منذ عام 2000 ويحمل جنسيتها، كما يتقن العربية والكردية والألماينة ويلم بالفراسية والتركية.