يكتبون في الدعوات أنَّ المؤتمرات التي يعقدون وينظِّمون هي دولية، وأنَّ القضايا المطروحة وطنية مصيرية، فتهديك السكرتاريا محفظة وكراسًا مروّسًا بشعار المؤتمر وكتبًا ومنشورات، أمّا إذا كنت نسيت قلمكَ في جيب بدلتك التي كنت ترتديها بمؤتمر "أشعار الجاهلية في مقاومة الجدار والمستوطنات الصهيونية"!! فإنَّ قلم المؤتمر المدموغ الممهور المطبوع، جاهز، أي (ولا يهمك) فالمنظِّمون يحبون أن يكون الحضور أصحاب أقلام!!
تجلس فتصغي، ولكنَّك تضطر لأن "تبحلق" بأشخاص وراءك أو على يمينك أو يسارك لعلّهم يكفون عن "الشوشرة" والثرثرة ليفهموا أنّهم في حضرة محاضر في مؤتمر دولي أو وطني، فالموضوع بالنسبة لهؤلاء ليس أكثر من "قعدة على قهوة" وطنية أو دولية، وللأمانة فليس كل الحق على منظمي مؤتمرات يحشرون أنبل القضايا في "درخوش" الوقت وحسب، صحيح أنَّ رئيس الجلسة يحث المتكلمين على الاستعجال واستهلاك الوقت وعدم علك الكلام، حتى ليبدو لك الأمر وكأنك في مطعم الوجبات السريعة  "مؤتمرات شاورما" مثلاً.
أمَّا إذا كان المتداخل أو المتحدّث صديقًا أو عزيزًا على رئيس الجلسة، أو من المشهورين بألقابهم وليس بأعمالهم أو أفكارهم أو إنتاجهم الأدبي والفكري والعِلمي، أو ممَّن يتفنّنون في الظهور عبر الوسائل الإعلامية، ويتقنون صفَّ المصطلحات المستوردة وإطلاقها بمخارج الحروف، أو كالذي كأنه "بالع" راديو على الريق "لا تعرف من وين بينطفي" ويا رحمتنا من السما إذا بدأ الكلام"!! فإنَّه يحظى بجل الوقت وفوقها "حبة مسك" وحفنة كلام شكر وتقدير وكأن الرجل قد رسم الخريطة الجينية للجن!!
"راحت السكرة وإجت الفكرة" مثل شعبي حري الأخذ به للانتقال من حالة الاختلال بالتوازن، والتأتأة الفكرية والسياسية والثقافية، و"الحكي الشروي الغروي اللي ما بيودي ولا بيجيب" إلى صحوة ويقظة، حيث الريادة للعقل، ومجال إبداع الأفكار الخلاقة، لكنَّنا بعد أربعين سنة ترانا نحن الذين أُجبِرنا على تجرُّع كؤوس الهزائم والنكسات والنكبات تتبخّر من أدمغتنا "الفكرة" على حرارة وسخونة أطباق الفنادق ذوات النجوم!! ولكم أن تتخيّلوا ما بنا من تخمة بعد تحوُّل مؤتمرات هنا وهناك كمناسبات لتبادل المجاملات وطق الحنك و"للحشي"!! - الشين هنا محل الكاف في لهجة من لهجات العرب-  فلا تعرف إن كنت في مؤتمر أو مهرجان خطابي في مدرسة ثانوية!!
نُفاجأ بباحثين ودارسين ومحاضرين ومتكلمين وكأنّ مولّدات الأفكار عندهم، (مكربجة) أو متأكسدة، متشربكة، فترانا نبحث عن شرارة واحدة من بين عشرات الأبحاث والدراسات وأوراق العمل، لعلَّنا نحولها إلى نور، لتضيء ظلمة ما نسمع، فحضورنا ما كان إلّا من أجل أفكار معاصرة جئنا لنعرفها، نعلمها، وندركها ونعمل على تجسيمها ثم ننظِّم أنفسنا للانتصار لها، وليس مجرّد مبارزات لسانية، فالمؤتمرات مصنع أفكار خلّاقة، تدب الحياة في تفاصيل حاضرنا لتدفعنا نحو مستقبل آمن!! لكن.. سرعان ما نكتشف أنَّنا قد ذهبنا إلى "حفلة كلام ببلاش"، تبلغ ذروة "حماس" المشاركين فيها عند بوفيه "النسكافيه" والشاي والمقرمش، أمّا إذا كان ما بين محور في المؤتمر والمحور الذي يليه أطباق ضأن ودجاج محمر و"مشمر" فاعلم بأنك قد وصلت إلى الدقيقة الأخيرة قبل الإقلاع، فيلفلفون جلسات المؤتمر، ويقرأون وصايا المؤتمر وقراراته على  "عجلة" مبنشرة!! فيأخذ سلطان النعاس بناصية الذين أكثروا التهام الهبرة، فتخرج "أفكارهم الغازية" متسلّلة، من فوق وتحت، أو كبخار مع الأنفاس!!