تستطيعُ الديمقراطيّاتُ الليبراليّةُ الغربيةُ أنْ تتباهى بتداولِ السُّلطةِ والفصْلِ بين السُّلطاتِ وتحديدِ الولايةِ الانتخابيةِ للحاكِمِ. وتبالغُ تلكَ الديمقراطيّاتُ بتبجيلِ نظامِها السياسيِّ وتُعرّفهُ بأنهُ نظامٌ يستندُ إلى حُكْمِ الشعبِ لنفسهِ عبرَ ممثّليهِ الذينَ يختارهُم بشكلٍ مباشر، فأصلُ كلمةِ Democracy في اللغة اليونانيةِ القديمة مُشتقٌّ من كلمَتَيْ demos التي تعني عامةَ الشعبِ وKrateo أي الحُكم.
 وعلى الرغمِ من الاحتكامِ إلى مبدأ الانتخاباتِ وتداولِ السلطةِ فإنَّ الديمقراطيّاتِ الغربيةَ أنتجتْ خلالَ المئةِ عامٍ الأخيرةِ أنظمةً استبداديةً وفاشيّةً أو شموليةً. كما أنَّ السياسةَ الاستعماريةَ وما رافقَها من حُروبِ إبادةٍ واضّطهادٍ لشعوبِ الدُّولِ المُستعْمَرةِ كان يتمُّ تنفيذُها على أيدي حكوماتٍ غالبًا ما كانتْ منتخَبةً في بلادِها بشكلٍ ديمقراطي.
إسرائيلُ الصهيونيةُ هي امتدادٌ للنظامِ السياسيّ الغربيّ، وعلينا أنْ لا نُصابَ بالحرَجِ عندما تصِفُ إسرائيلُ نفسَها بأنها دولةٌ ديمقراطيةٌ، لأنّ ديمقراطيّتها تمّ تفصيلُها لتتكيّفَ معَ احتياجاتِ المستوطنينَ القادمينَ من أوروبا دونَ غيرهِم من اليهودِ أو الفلسطينيينَ. فالديمقراطيةُ الإسرائيليةُ مثلُها مثلُ الديمقراطيةِ الفرنسيةِ والبريطانيةِ والإيطاليةِ والإسبانيةِ التي أشرفتْ على استعمارِ واستغلالِ بلدانِ العالَمِ الثالثِ وقتّلَتْ شعوبَها، تمامًا كما يَنتخبُ الإسرائيليونَ حكوماتِهم وبشكلٍ "ديمقراطيٍّ وشفّافٍ" ليباشرَ هؤلاء الحُكّامُ فورًا بممارسةِ الإرهابِ ضدَّ شعبِنا ويرسّخوا الاستيطانَ وتهويدَ الأرضِ الفلسطينيّةِ، وقد أثبتتْ تجربةُ الحكوماتِ الإسرائيليةِ المتعاقبةِ أنّ المرشّحَ الأكثرَ حظًّا للفوزِ هو المرشّحُ الذي يُثبِتُ أنّ يَديهِ ملطّخةٌ بالدّمِ الفلسطينيّ أكثرَ من أيدي خصومهِ ومنافسيه!
لمْ تَستطِعْ الدولُ الأوروبيةُ المحافظَةَ على نظامِها السياسيّ الديمقراطيّ والاحتفاظَ في نَفسِ الوقتِ بمستعمراتِها، لذلكَ أُجبِرَتْ على حَمْلِ عصاها والرحيلِ عنْ تلكَ المستعمرات. وستجدُ إسرائيلُ الصهيونيةُ نفسَها أمامَ هذا الخيارِ عاجلاً أمْ آجلاً، فالصهيونيةُ هي نقيضُ الديمقراطيةِ وعدوُّ اليهودِ والفلسطينيينَ في آنٍ واحدٍ، لأنّها تُسخّرُ اليهودَ لاضطهادٍ شَعبِ فلسطينَ واحتلالِ أرضِهِ والتنكّرِ لحقّهِ في وطنِه.