لم نعُدْ نشعُرُ بالحيرةِ حينَ نرى كيفَ يُصابُ بعضُ العربِ بمرضِ إنكارِ انتمائهم لأمتِهم، وكيفَ يختارُ بعضُهم ما يظنُّ أنهُ "دربُ السلامةِ" ويَركِنُ إلى حمايةِ أمريكا ووعودِها، وهي التي لم تَفِ يومًا بوعدٍ لأيّ "حليف"، فسرعانَ ما باعَتْ منْ ظنّوا أنّ لهم عندها حظوةً أبدية. لم يعُدْ من الغرائبِ أن يخرجَ علينا مارقٌ وينفي قدسيّةَ القُدسِ وما في خوابيها من مؤونةِ الأنبياءِ والرسُلِ وسيوفِ المرابطين.
لقد تجاوزَ شعبُنا لحظةَ الاتّكالِ على أحدٍ غيرَ الله، وعلى إرادةِ الصمودِ والعطاءِ المتواصلِ حتى يتحقّقَ الحلمُ الذي قطعناهُ عهدًا للوطن. ولنْ يثنينا عن ذلكَ كلُّ ما يحيطُ بنا من علاماتِ عصرِ الانحطاطِ الذي يظلّلُ الأمّةَ ويحاولُ التسلّلَ إلى داخلِ قلعتنِا الوطنية، تارةً تحتَ ستارِ شخصٍ مطرودٍ تتبنّاهُ إحدى العواصمِ وتتنكّرُ لفلسطين، وتارةً بدعم الانقلابِ وتكريسِ الانقسامِ ثُمَّ البكاءِ على وحدةِ الفلسطينيينَ ومطالبتِهم بسرعةِ إنجازها. وقد يأخذُ عصرُ الانحطاطِ صورةَ تاجرٍ باعَ نفسَهُ للمستوطنينَ واشترى المذلّةَ والهوان. لكنّ كلّ ذلك لا يمكنُ أن يكونَ سببًا لفقدانِ أهمِّ خصالِنا التي ورثناها بحُكْمِ انتمائنا لهذه الأرض، وهي الصبرُ والقدرةُ على تحمّلِ أقسى اللحظاتِ وأقصى ما تصلُهُ قوةُ الأعداءِ من درجاتِ البطشِ والتنكيلِ .
الصّبرُ والصمودُ نتاجُ الإيمانِ بحتميةِ تجاوزِ كلّ ما يحاولُ أعداؤنا الإيحاءَ بأنّهُ قدرُنا المحتوم، فنحنُ أهلُ هذهِ الأرضِ، نحنُ قدَرُ أعدائنا المحتوم.