تداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الآونة الأخيرة خبرًا مفاده، أن منظمة التحرير، ممثّلة بلجنة التواصل الوطني تعمل على تشكيل قائمة فلسطينية وإسرائيلية "يهودية" لإحداث اختراق في الشارع الإسرائيلي، وتوسيع دائرة الفعل في أوساط أنصار السلام. وبعيداً عن الجدال حول صحة التوجه من عدمه، فإنّ هناك حاجة ماسة لمد الجسور مع المجتمع الإسرائيلي لإحداث تغيير في الوعي الجمعي من زاوية ترسيخ وتجذير أهمية صناعة السلام، وبناء ركائز التعايش بين الشعب الفلسطيني والمجتمع الإسرائيلي، والسعي لصهر الاستعصاء، والركود، والجمود العقائدي الفكري الصهيوني بأدوات ومفاهيم ومنظومة السلام الفكرية.
إنَّ النجاح في بناء وتشكيل قائمة موحدة فلسطينية عربية إسرائيلية "يهودية" في هذه اللحظة السياسية الحرجة من تاريخ الصراع الطويل والمرير، تبعث على التفاؤل والأمل في وقف اندفاع اليمين واليمين المتطرف الصهيوني، ووضع حد لتوسعه، وانتشاره الأفقي والعمودي، ووضع مداميك لإنشاء صرح السلام الممكن والمقبول، وفتح الأفق لانتشال المجتمع الإسرائيلي من براثن الفاشية الصاعدة، والمستشرية في أوساط البسطاء والطبقة الوسطى، التي يجري تضليلها، ومواصلة اختطافها نحو مصالح الاستعماريين المتطرفين، وتخلق الفرصة الملائمة لنهوض القوى والشخصيات والنخب المؤمنة بالسلام المقبول، الذي يرتكز على قواعد المواثيق والأعراف والمعاهدات والقوانين الدولية، ومرجعيات عملية السلام، وتضع حدا لغوغائية نتنياهو ومن لف لفه من اليمين المتطرف، التي عنوانها "التخويف من "بعبع" اليسار وأنصار السلام"، ورد الصفعة له ولمن يقف خلفه، وخلف منطقهم الاستعماري، الذي يستهدف الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، ويصر على إبقاء دائرة الإرهاب الدولاني والحرب والاستيطان الاستعماري على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
وفي حال تمكَّن أبناء ونخب الشعب الفلسطيني المتجذّرون في أرض الآباء والأجداد في الجليل والمثلّث والنقب ومدن الساحل من التشبيك مع الإسرائيليين المؤمنين بخيار السلام والتعايش، فإنّ هذا يعتبر سابقة كيفية تسهم في تعزيز الروابط المشتركة بينهما، وتكسر التابوهات الصهيونية المتحجرة، وتحطّم الأساطير الكاذبة، وتشعل شمعة الأمل في توحيد الجهود الخلّاقة والمشتركة لبناء دولة كل مواطنيها، وتعزّز فكرة المساواة الكاملة بين مواطني دولة (إسرائيل) بغض النظر عن هويتهم القومية ولغتهم وثقافتهم، وتدعم ركائز السلام الممكن والعادل نسبيًّا، وتفتح الأبواب أمام استقلال وسيادة دولة فلسطين على أراضيها المحتلة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967، وتكفل حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194، وتسقط كل المشاريع الاستعمارية والمتناقضة مع خيار التسوية.
وعلى هذا الصعيد يقال، إنَّ هناك تحفظات في أوساط القوى الحزبية الفلسطينية داخل الـ48، خشية أن يؤثّر تشكيل القائمة على حجم الأصوات الفلسطينية المؤيدة والداعمة للقائمة المشتركة، هذا إذا تشكلت، ولم يحدث ما حدث عشية انتخابات الكنيست الـ21، أي عدم توافق ممثلي القوى الأربع ومن يساندها على محددات بناء القائمة الفلسطينية العربية. وشخصيا لا أعتقد أنّ تشكيل أي قائمة فلسطينية إسرائيلية سيؤثر على حجم التصويت للقائمة المشتركة، لأن من سيصوت للقائمة الفلسطينية الإسرائيلية، هم بالأساس لم يصوتوا للقائمة المشتركة، وبدل أن تذهب أصواتهم لصالح القوى الصهيونية المختلفة، فالأفضل أن تحصدها قائمة السلام، هذا إذا تمكن القائمون عليها من الحرث في أوساط الفلسطينيين العرب والإسرائيليين "اليهود" بشكل مثابر، وقدموا أنفسهم بخطاب ناضج وواع ومسؤول يعكس مصالح المجتمع ككل، وفي حال ابتعدوا عن التطرف والإساءة للشراكة الحقيقية.
وفي السياق أيضًا، يمكن الرد على أنصار حركة المقاطعة (BDS)، الذين يشتقون خطابا أقصويًّا، ويعتبرون، أن لجنة التواصل الوطني التابعة لمنظمة التحرير تمارس التطبيع المجاني مع الصهاينة المتطرفين، وتفتح الطريق أمام كل المطبعين العرب وغيرهم، وهذا مناف للحقيقة والمنطق، لأن لجنة التواصل، وإمكانية تشكيل قائمة فلسطينية إسرائيلية لدعم السلام، لا يمت بصلة للتطبيع، ويتناقض مع التطبيع المجاني، أو مدفوع الثمن، لأن خطاب اللجنة وقائمة السلام، يرتكز على قواعد أساسية: رفض المشروع الكولونيالي الإسرائيلي، ورفض صفقة القرن، وتجسير العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس قانون المواطنة والمساواة، ومرجعيات السلام، ومواثيق وقوانين الأمم المتحدة. وبالتالي شتان ما بين التطبيع مع الدولة الإسرائيلية ومشروعها الاستعماري، وبين وضع أسس لعلاقات تقوم على أساس الندية والشراكة السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية، وبعيدا عن منطق الأسياد والعبيد، والمستَعمرين والمستِعمرين، وكون التعايش بات شرطا للخروج من دوامة الحرب والفوضى والإرهاب الإسرائيلي الأميركي.