أراد المحتلون اختبار جاهزية أجهزتنا الأمنية، فأذهلتهم النتيجة، وأرادوا جسَّ نبض رجال مؤسّستنا الأمنية، فكان أقوى ممّا توقّعوا.
أبعد من تحرُّش، وأقل من هجوم منظَّم، قد يكون الوصف المناسب للاشتباك المسلَّح الذي حدث فجر الثلاثاء الماضي بين قوات من جيش الاحتلال، وعناصر وضبّاط مقرّ الأمن الوقائي في نابلس، رغم محاولة الاحتلال التعمية على حيثيات الاشتباك وأبعاده عبر طرح اقتراح بتشكيل لجنة مشتركة للتحقيق بما حدث، ما يؤكِّد للقاصي والداني بأنَّ المقولات الدعائية المغرِضة في موضوع التنسيق الأمني فيها زخم تضليل وحرف للحقائق وضجيج أعلى من أزيز رصاص قوات الاحتلال الذي أصاب عنصرين من جهاز الأمن الوقائي.
يعرف قادة جيش الاحتلال أهدافهم من هذا الاحتكاك المباشر، كما نعرف نحنُ وندرك أهدافهم منه، ولعلَّ الرد السريع والقوي من أفراد وضبّاط المركز– رغم عدم التكافؤ من كلّ النواحي العسكرية بين قوة المهاجمة، والقوة المدافعة عن مركزها، فما نعرفه نحنُ أنَّنا نمتلك سلاح الإيمان بحقنا وبإرادتنا القوية، وأنَّهم يملكون ترسانة أسلحة تمكنهم من تدمير أي موقع يشاءون، لكن ألم يثبت لهم وللتاريخ أن تدمير الإرادات أصعب بمليون مرة من تدمير أعظم وأقوى خط دفاعي عسكري في العالم؟!
ما نعرفه نحنُ أنَّ ردَّ أفراد وضبّاط الأمن الوقائي في نابلس بالنار على نار المحتلين المدجَّجين والمدعومين بجيش يمتلك كل صنوف الأسلحة كان رافعة لمعنويات قوات مؤسّستنا الأمنية، ولجماهير شعبنا الذين سارعوا للاحتشاد في المنطقة والاستعداد لعرقلة تقدُّم قوات الاحتلال الداعمة للقوة المهاجمة .
نعرف أيضًا أنَّ الواقعية والعقلانية السياسية، وانضباط المؤسّسة الأمنية والتزامها بقرارات وتوجهات المؤسسة السياسية الرسمية، تعني الحفاظ على مصالح شعبنا، واليقظة دائمًا حتى لا يضطرنا المحتلون للاندفاع إلى نحو مربّعاتهم، ونعتقد أنّهم يعرفون جيّدًا أنّ عقلانية وواقعية وحكمة القيادة الفلسطينية السياسية لم تكن يوما خضوعًا أو استسلامًا، ولعلَّ الموقف الصلب الشجاع للرئيس أبو مازن من صفقة القرن، وسياسات الولايات المتحدة الأميركية، وسياسات دولة الاحتلال (إسرائيل) خير مثال يحتذى، فهو القائد الأعلى لقوات "الأمن الوطني الفلسطيني"، ومنهجه السياسي ماثل في عقل كلِّ فرد وضابط في أجهزة المؤسسة الأمنية الموجّهة سياسيًّا بما يحقّق المصالح العليا والعامّة للشعب الفلسطيني، حيثُ تعمل وفق منهج وعقيدة اختبرها المحتلون مرات عدّة في أكثر من موقع، أمّا ردود الأفعال وخطابات الثأر والانتقام فليست في قاموس مؤسسة أمنية ستكون قاعدة الأمن الرئيسة في دولة فلسطين.
نعرف أيضًا أنَّ شجاعة أفراد وضبّاط هذا المركز قد ساهمت في رفع الروح المعنوية للجماهير الفلسطينية التي تستعد خلال هذه الأيام لتسيير فعاليات ومظاهرات احتجاجية ضد صفقة القرن والورشة الاقتصادية التي دعت واشنطن لعقدها في المنامة عاصمة مملكة البحرين، ولسان حال هذه الجماهير يصرخ: "القدس ليست للبيع"، كما أكَّد أفراد وضباط أجهزتنا الأمنية وقوات الأمن الوطني أنَّ كرامة الجندي الفلسطيني ليست خاضعة للمساومة أبدًّا، وأنَّ كلَّ مَن يحاول اختبار الروح الوطنية لدى جنودنا وضباطنا في الأمن الوطني سيدرك أنَّ كل واحد منهم كتلة من الأفكار والمفاهيم والتعاميم والتربية الوطنية التحررية، وأنّ إيمانهم المطلق بسياسة قائدهم الأعلى يعزّز ثقتهم أنَّهم على الخط الصحيح في الدفاع عن الوطن ومصالح الشعب الفلسطيني أولاً وأخيرًا.