في السبعينيات، وبينما كنتُ أدرس بجامعة بغداد كان معنا زميلات وزملاء بحرانيون، أذكر كم كانوا واعين ومثقفين تقدميين وحضاريين، نموذجًا للحداثة في الوعي بالهُوية الوطنية والقومية وجدلية العلاقة بينهما في آن. في تلك المرحلة صدف أن قرأت مسرحية الشاعر الفلسطيني الشيوعي، الذي أصبح عرفاتيًّا للنخاع معين بسيسو (ثورة الزنج)، التي جرت في زمن الدولة العباسية، كانت الجغرافيا لهذه الثورة تمتدُّ من جنوب العراق إلى البحرين، وهي الثورة صنفها الماركسيون العرب أول ثورة اشتراكية في التاريخ العربي،  تماما كما صنف الماركسيون بشكل عام  ثورة سبارتاكوس في روما كأول ثورة اشتراكية في التاريخ.
المنامة عاصمة البحرين ستشهد في 24 الجاري ورشة كوشنير، التي ستطرح الشق الاقتصادي لصفقة القرن. هذا البلد، الذي هو جزيرة صغيرة موجودة في أقصى الشرق العربي، لطالما كان عرضةً للأطماع الإيرانية وغير الإيرانية على مدى العصور، ولكي تحمي نفسها استجلبت البحرين إلى أراضيها مقرَّ قيادة الأسطول الخامس الأميركي.
قد يكون السؤال مفيدًا هنا حول من هو صاحب المصلحة والمستفيد من جعل إيران الخطر الأكبر على المنطقة العربية، الأمر الذي نحّى (إسرائيل) كخطر أول ورئيس على الأمة العربية، بل وجعلها أكثر من ذلك حليفًا في مواجهة الخطر الإيراني. من دون شك أنَّ طهران تتحمَّل جزءًا كبيرًا من المسؤولية لكونها وجدت في الأرض العربية حيزها للتمدُّد، ولكن ليس هذا وحده من وضع إيران في خندق العداء الأول للأمة العربية، ففي هذا الوضع مصلحة إسرائيلية وأميركية مباشرة.
وبغض النظر عن مسؤولية الأطراف، فإنَّ من يدفع الثمن اليوم لكل ما جرى ويجري على هذا الصعيد هي القضية الفلسطينية.
 فلسطين وقيادتها لطالما اعتبرت الأمن القومي وأمن الأمة العربية خطًّا أحمر، والأمة العربية وأمنها واستقرارها وتقدمها، مصلحة فلسطينية قصوى، فنحنُ الأكثر حاجة لوطن عربي آمن ومستقر ومتماسك وموحّد. نحنُ نرفض ونقف ضد أي محاولة إيرانية للتمدُّد في العالم العربي، ولكن بالنسبة لنا التطبيع مع (إسرائيل) قبل إنهاء الاحتلال وتسوية القضية الفلسطينية استنادًا للقانون الدولي هو الخطأ الاستراتيجي الأكبر ليس على القضية الفلسطينية، بل على مستقبل الأمة العربية ووجودها كأمة.
الشعب الفلسطيني حريص على أشقائه العرب، ربما أكثر من حرصهم على نفسهم، نحن لا نطلب المستحيل ولكنّنا نطلب ألّا ينزلق العرب إلى درك المخطط الصهيوني بأرجلهم وقرارهم، فهذا المخطط هو ضد وجودهم.