برغم أنَّ الولايات المتحدة دولة عظمى، بما تمتلك من ترسانات القوة على اختلاف أنواعها، فإنَّها في الواقع، دولة فاشلة على نحو ما، خاصة على الصعيد الدبلوماسي، ودليلنا على ذلك سفيرها في (إسرائيل) "ديفيد فريدمان" الذي لا يفقه شيئًا من مفاهيم الدبلوماسية وأصولها، ولا أي شيء من علوم السياسة وفنونها، بما يعني أنَّ العلاقات الزبائنية هي التي جاءت به إلى هذا المنصب، الذي أحاله إلى منصة لليمين الإسرائيلي العنصري المتطرف!!!

والعلاقات الزبائنية التي لا قِيَم لديها، سوى قِيَم المساومة، ولا أخلاق غير أخلاق السلعة في خديعتها التسويقية، والتي عادة ما تغلب المصالح الشخصية على المصالح العامة، هذه العلاقات هي ما يقود في المحصلة، إلى جانب عوامل أخرى، إلى تكوين الدولة الفاشلة.

ولعلَّه بات واضحًا أنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا يُريد للولايات المتحدة سوى أن تكون هذه الدولة، وهو لا يتعاطى مع السياسة الدولية، بغير مفاهيم العلاقات الزبائنية، وفيما يخص (إسرائيل) التي ينتمي لصهيونيتها، لا يعمل هذا الرئيس سوى على توظيف هذه العلاقات لتكون في خدمة (إسرائيل) اليمين والاستيطان، حتى أنّه جعل من الإدارة الأميركية دكّانًا لهدايا وأعطيات مجانية لنتنياهو، وسمسارًا لبضائعه الاستيطانية والعنصرية!!! بدأ بالقدس الفلسطينية العربية المحتلة، ثُمَّ نقل وخلافًا لقرارات الشرعية الدولية، سفارته من تل أبيب إليها، السفارة التي لم تعد غير مستوطنة صهيونية، ثُمَّ الجولان السوري المحتل، وديفيد فريدمان الذي بات يمهّد للضم الاستعماري الإسرائيلي، لأراضٍ فلسطينية في الضفة المحتلة، بتصريحات أقل ما يقال عنها أنَّها عديمة المسؤولية الدبلوماسية والدولية، وعديمة أخلاق المسؤولية الإنسانية، هذه التي تفرض النزاهة والفروسية تجاه قضايا الحق والعدل والكرامة للشعوب المظلومة، في الوقت الذي تناهض فيه غطرسة القوة وتنمرها العدواني.

قد لا نعرف على وجه اليقين أنَّ للولايات المتحدة سفراء في هذا العالم، على شاكلة "فريدمان" ولكنّنا نعتقد أنَّ سياسة الغطرسة الأميركية لن يكون لها سفراء إلّا على شاكلته، بتبجُّح الغطرسة ذاتها، وتدخلهم في الشؤون الداخلية للدول التي هم فيها، ونتذكر هنا رواية "الأميركي القبيح" من خمسينيات القرن الماضي، الرواية التي تحدثت عن فشل السياسة الأميركية في بلد آسيوي سمته الرواية "ساركان" بسبب غطرسة السفير الأميركي هناك"، ولعلَّه من الضرورة الإشارة هنا، إلى أنَّ هذه الرواية صدرت بعد ثماني سنوات على انتهاء الحرب الكورية التي قادتها الولايات المتحدة ضد كوريا الشمالية وحلفائها، والتي أسفرت عن مئات الآلاف من الضحايا، بما يعني أنَّ هذه الرواية نتاج هذه الحرب، بعد أن رأت أسبابها كامنة في فشل السياسة الأميركية في جنوب شرق آسيا، وليس بوسعنا هنا سوى أن نرى "فريدمان" هو هذا "السفير" الأميركي الذي كان في "ساركان" عديم الفهم والكياسة والدبلوماسية، والذي بسبب غطرسته وتصريحاته الصهيونية، بات يُهدِّد بحرب كورية أخرى في هذا العالم بهذه الصورة أو تلك، إذا ما ظلّت السياسة الأميركية الراهنة على حالها!!

كما نتذكّر هنا دبلوماسية السيناتور الأميركي "جون ماكين" بتدخّلها الصارخ بذات الغطرسة العنصرية، في الشؤون الداخلية المصرية، يوم وقف في القاهرة، ليصف ثورة الثلاثين من "يونيو" بالانقلاب العسكري!! ليدعم بذلك جماعة الإخوان المسلمين، ويدفع بهم إلى مواصلة العصيان والاعتصام في ميدان "رابعة" ولن ننسى هنا طبعًا "هيلي" التي وصفت بأنّها أسوأ سفير لأميركا في الأمم المتحدة، والتي قالت إنَّها لا ترتدي الكعب العالي من أجل الأناقة، وإنَّما لكي تضرب به كلِّ من ينتقد (إسرائيل) في المنظمة الأممية، جاعلة بذلك خطاب الدبلوماسية، خطاب شتيمة وردح وتنمر!!

ليست هذه هي دبلوماسية الدولة الناجحة، بل هي دبلوماسية الدولة الفاشلة، حتى وإن كانت هذه الدولة تتربَّع على عرش القوة، لا سيما أنَّه ليس عرش القوة النزيهة والعادلة، وإنَّما هو مع الولايات المتحدة، عرش الغطرسة والعدوان، ولفريدمان نقول إنَّ فلسطين الدولة المحتلة حتى الآن، وبرغم هذا الاحتلال، هي دولة النجاح بكل مقاييسه، فهي تحت الاحتلال تبني وتقاوم، ولها حضور الأيقونات العظيمة المقدسة، في التاريخ وبين الأمم، كوفيتها دلالة الفروسية، وقدسها العاصمة، قدس الدروب السماوية والنبوية، وشعبها، شعب الوقائع البطولية في صموده ونضاله في سبيل الحرية والاستقلال، وخطاب قيادتها الشرعية، خطاب الحق والعدل والسلام، المكرَّس بمصداقية جراحها النبيلة، وتطلعاتها إنسانية تمامًا، لعالم يسوده الأمن والاستقرار، والتبادل النزيه للمصالح المشروعة، دون استحواذ ولا غطرسة ولا عنصرية ولا طائفية، فليقل لنا "ديفيد فريدمان" ماذا تملك الإدارة الأميركية من كل هذه الحقائق والصفات لفلسطين الدولة، والعاصمة، والشعب، والقيادة، والحضارة، والمكانة، والتاريخ، ليعرف العالم أينا الدولة الناجحة وأينا الدولة الفاشلة؟!