صدر عن دار الشروق كتاب "خليل الوزير/ أبو جهاد" للكاتب الدكتور زياد ابو عمرو، الطبعة الثانية 2018، وكانت الطبعة الأولى صدرت عام 2012، مع ان مشروع الكتاب أنجز عام 1990، ولأهمية الكتاب والرجل، الذي عالج الكاتب حياته ومسيرته، رأيت من الضروري تسليط الضوء عليه، لأنه يستحق.
توقف د. زياد امام المحطات الرئيسية في حياة المناضل القائد خليل إبراهيم الوزير، المولود في مدينة الرملة عام 1936، وهاجر منها أثناء نكبة العام 1948، وقسم مسيرة كفاحه على ستة فصول، حملت العناوين التالية: الأول من الرملة إلى غزة، الثاني خليل الوزير وتأسيس حركة فتح، الثالث خليل الوزير والثورة، الرابع خليل الوزير والأرض المحتلة، الخامس خليل الوزير والانتفاضة، السادس الاغتيال، فضلا عن المقدمة وملاحق، فجاء الكتاب في 162 صفحة من القطع الكبير 24/17.
ومن الواجب ان أدون، ان كتاب خليل الوزير للدكتور زياد ابو عمرو، هو من افضل الكتب، التي قرأتها له، أولا لشموليتها حول رواية الرجل، وثانيا للغة السياسية المستخدمة، وثالثا لعملية الربط بين الأحداث، دون ان يعني ذلك عدم وجود بعض الملاحظات والهنات.
لكن ابو عمرو أعطى خليل الوزير حق قدره، كما يليق به كقائد ملهم، ومميز، وأعتقد ان ما جاء في كتابه، وحسب ما اطلعت عليه من كتابات عن شخص أمير الشهداء، يعتبر الأفضل حتى الآن، والأشمل من حيث تتبع مسار سيرة وكفاح الرجل الشجاع.
فيعود ابو عمرو للبدايات، التي اسهمت في صقل وعي الطفل والفتى خليل الوزير، الذي ولد مع انبثاق واشتعال ثورة الـ 1936، وبعد الإضراب الأكبر في التاريخ العالمي الممتد من نيسان/ إبريل حتى تشرين الأول/ أكتوبر 1936، شهر ولادة خليل، وهو الابن الأكبر للشيخ إبراهيم الوزير، الذي انتقل من غزة إلى الرملة بحثا عن مصدر رزق له ولعائلته، ثم غادرها مطرودا من قبل عصابات الحركة الصهيونية في عام النكبة 1948، وحينها كان خليل فتى يافعا عمره 12 عاما، وسار على الأقدام من الرملة إلى غزة مدونا في ذاكرته الطرية بشاعة ولعنة الظلم والنكبة والاستعمار الصهيوني الوحشي، النابت من لعنة التاريخ ومصالح الغرب الرأسمالي، وتواطؤ الأشقاء العرب، وأدرك تدريجيا ملامح الصراع الفلسطيني العربي والصهيوني، وراكم مع الأيام بعفويته، وبذكائه الخاص حجم وبشاعة النكبة، التي حلت بعائلته وشعبه في آن.
في المرحلة الثانوية وعي خليل ارتقى، حتى بات يبحث بينه وبين ذاته، ومع أقرانه المقربين، ومن خلال ما يرى ويسمع عن ويلات ابناء شعبه في الشارع والمدرسة والجامع عن كيفية الرد على الجريمة الصهيونية البشعة، ومع اشتداد المصاب الوطني وجد نفسه في احضان جماعة الإخوان المسلمين، معتقدا انهم يمكن ان يكونوا إطارا مناسبا لبلورة دفاعه عن وطنه، لكنه اكتشف باكرا جدا، ان الإطار المذكور لا يمثل طموحاته، فغادره برسالة ارسلها لهم عام 1957 يطالبهم بتشكيل إطار كفاحي لمواجهة الغزوة الصهيونية.
ولكنه لم يغادر البحث عن الذات الشخصية في الإطار الوطني العام، ومن هنا بادر هو ذاته للقيام بأعمال شجاعة تمثلت بتشكيل أول خلاياه العسكرية 1953/ 1954، وكان من اعضائها حمد العايدي، محمد الأفرنجي وعبد الله أبو مراحيل، ولاحقا التحق بهم عبدالله صيام وكمال عدوان، وتعاون مع كل من أسعد الصفطاوي وناهض الريس أثناء الدراسة الثانوية، ثم تطورت تجربته في مصر والسعودية الكويت وقطر والجزائر ولبنان بعدما ذهب للدراسة في الإسكندرية، ثم تفرغ للنضال الوطني، وكان خلال رحلة البحث عن الذات الوطنية التقى بعدد من أقرانه، الذين كان لهم ذات الاهتمام والرغبة بولادة إطار وطني جامع لهم، منهم ياسر عرفات وصلاح خلف وسليم الزعنون ومحمود عباس وعادل عبد الكريم، وعلي السيد، وسعيد المزين، ومعاذ عايد، وأحمد وافي، وغالب الوزير، وهاني القدومي، وخالد الحسن، وعبد الفتاح حمود، وممدوح صيدم، وهايل الفاهوم، ومحمود الهمشري، وأبو علي اياد، وحلمي الصباريني وغيرهم من رجالات التأسيس.
وأنا هنا لا أوثق كل الأسماء، ولا أدرجها حسب تسلسل الالتقاء معهم، ولكن أدرجتهم، كون بعضهم شكل في العام الـ1957 النواة الأولى لتأسيس حركة فتح، والتي تبلورت في عام 1961، غير ان الإعلان التأسيسي تلازم مع عملية عيلبون مطلع عام 1965. وكانت المرأة الأولى بينهم جميعا الأخت انتصار الوزير، التي اقترن بها أبو جهاد في الكويت عام 1960، والتي لعبت مع شريك حياتها دورا مهما في أكثر من محطة في قيادة العمل، فضلا عن دورها الكفاحي المتواصل حتى اللحظة التاريخية المعيشة.
عشية انطلاقة الثورة وبعد وضع الأسس الناظمة لكفاح وعمل الحركة، اتسع النقاش لبناء جسور العلاقة مع الأطر الوطنية الأخرى، وكذلك بحث الكيفية في تعزيز النفوذ في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بالتلازم مع ذلك سعى كل من أبو جهاد وياسر عرفات بتعزيز وتطوير العلاقات مع الثورة الجزائرية والدولة الصاعدة الصين الشعبية والثورة الفيتنامية، وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة.
جال الدكتور زياد ابو عمرو في تجربة القائد الوزير بتفاصيل مسيرته، وكيفية تطورها من موقع كفاحي إلى موقع آخر، ولكن كل المواقع كانت بالنسبة لخيل الوزير تصب في الأرض المحتلة، وهنا أقصد كل فلسطين التاريخية، ولم تنم، ولم تغب عين القائد أبو جهاد عن الهدف الوطني المركزي، ووضع كل الثقل في تعزيز الوجود الفتحاوي أولا، والوطني ثانيا في الأرض المحتلة.
ورغم تأخر حركة فتح في الاهتمام بالبناء التنظيمي حتى مطلع الثمانينيات، غير ان تجربة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ولاحقا عملية ملاحقة ومطاردة القرار الوطني المستقل من قبل بعض الأشقاء، فضلا عن عمليات التصفية المتواصلة من قبل العدو الصهيوني وحلفائه في المنطقة، عززت عنده القناعة المتوفرة أصلا بضرورة الاهتمام بالبناء التنظيمي، وبدأ بالشبيبة، ثم توسعت لإطارات أخرى شملت كل مدن فلسطين المحتلة، وكانت تلك العملية، هي التمهيد والتحضير للانتفاضة الكبرى 1987/1993. التي لعب فيها ابو جهاد دور الربان الحقيقي، ودفع حياته ثمنا لكل عطائه الوطني في فجر الـ 16 من نيسان/ إبريل 1988، وقبل ان يقطف ثمرة كفاحه المتميز.
ابو جهاد الوزير الشخصية البسيطة، والمتواضعة، والخجولة، كانت عبارة عن خزان بارود متفجر، ودؤوبة الحركة، متجددة، تبحث دوما عن مراكمة الإنجازات الوطنية. وكانت شخصيته تمثل الضدين، فهو الرجل المؤدب، والخلوق، والمسالم، وغير العنيف، ولكنه كان قوي الشكيمة في العمل على كي وعي الأعداء، لم يكن يحسب حسابا لأية صعوبات أو تعقيدات عندما تحين لحظة الحساب والمواجهة مع الأعداء، لأنه كان يريد ان ينتصر لخياره الوطني، وتمكن من الوصول لقوات العدو الإسرائيلي في مسيرة الكفاح المتواصلة في كل العمليات، التي قادها مع استثناءات محدودة. ولم يبخل خليل الوزير على اية عملية كان يشرف عليها، ولم يقف ليفكر كثيرا فيما تستدعيه وتتطلبه العملية الكفاحية من الإمكانيات والأرواح.
كنت اتمنى على الدكتور زياد لو انه أعطى مزيدا من التوسع في تجربة خليل الوزير من خلال قراءتها بعلاقتها مع فصائل العمل الوطني عموما، وخاصة فصائل منظمة التحرير، وليس في حصر دوره وعلاقته مع التيار الإسلامي فقط، والتي كانت بحاجة لإلقاء الإضاءة عليها من جوانبها المختلفة، وانعكاساتها على العملية الكفاحية التحررية لاحقا، لأن ما جاء في الكتاب حول تشكيل القيادة الوطنية الموحدة العليا في الخارج، لا تكفي، وكلمات بعض القادة عن الراحل الكبير، لا تغطي الموضوع، كان هناك إمكانية للتوسع في هذا الجانب، وايضا من زوايا مختلفة. مع ذلك لا يمكن إلا التأكيد ان كتاب "خليل الوزير/ ابو جهاد"، يعتبر إضافة هامة حول شخصية قائد ملهم، وهو نسيج ذاته، ولو قدر له البقاء لاضاء صفحة نوعية إضافية للتاريخ الوطني. شكرا للدكتور زياد على الجهد المبذول والمميز.